القول في تأويل قوله تعالى : ( 
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون  ( 31 ) 
وإن كل لما جميع لدينا محضرون  ( 32 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ألم ير هؤلاء المشركون بالله من قومك يا 
محمد  كم أهلكنا قبلهم بتكذيبهم رسلنا ، وكفرهم بآياتنا من القرون الخالية ( 
أنهم إليهم لا يرجعون  ) يقول : ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل  
[ ص: 513 ]  . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون  ) قال : عاد ، وثمود ، وقرون بين ذلك كثير  . 
و " كم " من قوله ( كم أهلكنا ) في موضع نصب إن شئت بوقوع يروا عليها . وقد ذكر أن ذلك في قراءة 
عبد الله   : ( ألم يروا من أهلكنا ) وإن شئت بوقوع أهلكنا عليها ; وأما " أنهم " ، فإن الألف منها فتحت بوقوع يروا عليها . وذكر عن بعضهم أنه كسر الألف منها على وجه الاستئناف بها ، وترك إعمال يروا فيها . 
وقوله ( 
وإن كل لما جميع لدينا محضرون  ) يقول - تعالى ذكره - : وإن كل هذه القرون التي أهلكناها والذين لم نهلكهم وغيرهم عندنا يوم القيامة جميعهم محضرون . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
وإن كل لما جميع لدينا محضرون  ) أي هم يوم القيامة  . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء 
المدينة ،  والبصرة ،  وبعض الكوفيين : ( وإن كل لما ) بالتخفيف توجيها منهم إلى أن ذلك " ما " أدخلت عليها اللام التي تدخل جوابا لإن ، وأن معنى الكلام : وإن كل لجميع لدينا محضرون . وقرأ ذلك عامة قراء 
أهل الكوفة   ( لما ) بتشديد الميم . ولتشديدهم ذلك عندنا وجهان : أحدهما : أن يكون الكلام عندهم كان مرادا به : وإن كل لمما جميع ، ثم حذفت إحدى الميمات لما كثرت ، كما قال الشاعر : 
غداة طفت علماء بكر بن وائل وعجنا صدور الخيل نحو تميم  
[ ص: 514 ] والآخر : أن يكونوا أرادوا أن تكون ( لما ) بمعنى إلا مع إن خاصة فتكون نظيرة إنما إذا وضعت موضع " إلا " . وقد كان بعض نحويي 
الكوفة  يقول : كأنها " لم " ضمت إليها " ما " ، فصارتا جميعا استثناء ، وخرجتا من حد الجحد . وكان بعض أهل العربية يقول : لا أعرف وجه " لما " بالتشديد . 
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .