صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن إلهكم لواحد ( 4 ) رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ( 5 ) إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ( 6 ) وحفظا من كل شيطان مارد ( 7 ) لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب ( 8 ) دحورا ولهم عذاب واصب ( 9 ) إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ( 10 ) )

يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( إن إلهكم لواحد ) والصافات صفا إن معبودكم الذي يستوجب عليكم أيها الناس العبادة ، وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثاني له ولا شريك . يقول : فأخلصوا العبادة وإياه فأفردوا بالطاعة ، ولا تجعلوا له في عبادتكم إياه شريكا .

وقوله ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) يقول : هو واحد خالق السماوات السبع وما بينهما من الخلق ، ومالك ذلك كله ، والقيم على جميع ذلك ، يقول : فالعبادة لا تصلح إلا لمن هذه صفته ، فلا تعبدوا غيره ، ولا تشركوا معه في عبادتكم إياه من لا يضر ولا ينفع ، ولا يخلق شيئا ولا يفنيه .

واختلف أهل العربية في وجه رفع " رب السماوات " ، فقال بعض نحويي البصرة ، رفع على معنى : إن إلهكم لرب . وقال غيره : هو رد على " إن إلهكم لواحد [ ص: 10 ] " ثم فسر الواحد ، فقال : رب السماوات ، وهو رد على واحد . وهذا القول عندي أشبه بالصواب في ذلك ، لأن الخبر هو قوله ( لواحد ) ، وقوله ( رب السماوات ) ترجمة عنه ، وبيان مردود على إعرابه .

وقوله ( ورب المشارق ) يقول : ومدبر مشارق الشمس في الشتاء والصيف ومغاربها ، والقيم على ذلك ومصلحه ، وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه ، واستغني بذكر المشارق من ذكرها ، إذ كان معلوما أن معها المغارب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن إلهكم لواحد ) وقع القسم على هذا إن إلهكم لواحد ( رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ) قال : مشارق الشمس في الشتاء والصيف .

حدثني محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( رب المشارق ) قال : المشارق ستون وثلاثمائة مشرق ، والمغارب مثلها ، عدد أيام السنة

وقوله ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) اختلفت القراء في قراءة قوله ( بزينة الكواكب ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة بزينة الكواكب ، بإضافة الزينة إلى الكواكب ، وخفض الكواكب ( إنا زينا السماء الدنيا ) التي تليكم أيها الناس وهي الدنيا إليكم بتزيينها الكواكب : أي بأن زينتها الكواكب . وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة ( بزينة الكواكب ) بتنوين زينة ، وخفض الكواكب ردا لها على الزينة ، بمعنى : إنا زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب ، كأنه قال : زيناها بالكواكب . وروي عن بعض قراء الكوفة أنه كان ينون الزينة وينصب الكواكب ، بمعنى : إنا زينا السماء الدنيا بتزييننا الكواكب . ولو كانت القراءة في الكواكب جاءت رفعا إذ نونت الزينة ، لم [ ص: 11 ] يكن لحنا ، وكان صوابا في العربية ، وكان معناه : إنا زينا السماء الدنيا بتزيينها الكواكب : أي بأن زينتها الكواكب وذلك أن الزينة مصدر ، فجائز توجيهها إلى أي هذه الوجوه التي وصفت في العربية .

وأما القراءة فأعجبها إلي بإضافة الزينة إلى الكواكب وخفض الكواكب لصحة معنى ذلك في التأول والعربية ، وأنها قراءة أكثر قراء الأمصار وإن كان التنوين في الزينة وخفض الكواكب عندي صحيحا أيضا . فأما النصب في الكواكب والرفع ، فلا أستجيز القراءة بهما ، لإجماع الحجة من القراء على خلافهما ، وإن كان لهما في الإعراب والمعنى وجه صحيح .

وقد اختلف أهل العربية في تأويل ذلك إذا أضيفت الزينة إلى الكواكب ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : إذا قرئ ذلك كذلك فليس يعني بعضها ، ولكن زينتها حسنها ، وكان غيره يقول : معنى ذلك : إذا قرئ كذلك : إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب .

وقد بينا الصواب في ذلك عندنا .

وقوله ( وحفظا ) يقول - تعالى ذكره - : ( وحفظا ) للسماء الدنيا زيناها بزينة الكواكب .

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله ( وحفظا ) فقال بعض نحويي البصرة : قال وحفظا ، لأنه بدل من اللفظ بالفعل ، كأنه قال : وحفظناها حفظا . وقال بعض نحويي الكوفة : إنما هو من صلة التزيين : إنا زينا السماء الدنيا حفظا لها ، فأدخل الواو على التكرير : أي وزيناها حفظا لها ، فجعله من التزيين ، وقد بينا القول فيه عندنا . وتأويل الكلام : وحفظا لها من كل شيطان عات خبيث زيناها .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وحفظا ) يقول : جعلتها حفظا من كل شيطان مارد .

وقوله ( لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ) اختلفت القراء في قراءة قوله [ ص: 12 ] ( لا يسمعون ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض الكوفيين : " لا يسمعون " بتخفيف السين من " يسمعون " ، بمعنى أنهم يتسمعون ولا يسمعون . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين بعد لا يسمعون بمعنى : لا يتسمعون ، ثم أدغموا التاء في السين فشددوها .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف ، لأن الأخبار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه ، أن الشياطين قد تتسمع الوحي ، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تسمع .

ذكر رواية بعض ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت للشياطين مقاعد في السماء قال : فكانوا يسمعون الوحي قال : وكانت النجوم لا تجري ، وكانت الشياطين لا ترمى قال : فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض ، فزادوا في الكلمة تسعا قال : فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاء شهاب ، فلم يخطه حتى يحرقه قال : فشكوا ذلك إلى إبليس ، فقال : ما هو إلا لأمر حدث قال : فبعث جنوده ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي بين جبلي نخلة ، قال أبو كريب : قال وكيع : يعني بطن نخلة قال : فرجعوا إلى إبليس فأخبروه قال : فقال هذا الذي حدث .

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الجن يصعدون إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي ، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا ، فأما الكلمة فتكون حقا ، وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - منعوا مقاعدهم ، فذكروا ذلك لإبليس ، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك ، فقال لهم إبليس : ما هذا إلا لأمر حدث في الأرض ، فبعث جنوده ، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما يصلي ، فأتوه فأخبروه ، فقال : [ ص: 13 ] هذا الحدث الذي حدث .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الله بن رجاء قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الجن لهم مقاعد ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا يونس بن بكير قال : ثنا محمد بن إسحاق قال : ثني الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن ابن عباس قال : حدثني رهط من الأنصار ، قالوا " بينا نحن جلوس ذات ليلة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ رأى كوكبا رمي به ، فقال : " ما تقولون في هذا الكوكب الذي يرمى به ؟ " فقلنا : يولد مولود ، أو يهلك هالك ، ويموت ملك ويملك ملك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس كذلك ، ولكن الله كان إذا قضى أمرا في السماء سبح لذلك حملة العرش ، فيسبح لتسبيحهم من يليهم من تحتهم من الملائكة ، فما يزالون كذلك حتى ينتهي التسبيح إلى السماء الدنيا ، فيقول أهل السماء الدنيا لمن يليهم من الملائكة : مم سبحتم ؟ فيقولون : ما ندري : سمعنا من فوقنا من الملائكة سبحوا فسبحنا الله لتسبيحهم ولكنا سنسأل ، فيسألون من فوقهم ، فما يزالون كذلك حتى ينتهي إلى حملة العرش ، فيقولون : قضى الله كذا وكذا ، فيخبرون به من يليهم حتى ينتهوا إلى السماء الدنيا ، فتسترق الجن ما يقولون ، فينزلون إلى أوليائهم من الإنس فيلقونه على ألسنتهم بتوهم منهم ، فيخبرونهم به ، فيكون بعضه حقا وبعضه كذبا ، فلم تزل الجن كذلك حتى رموا بهذه الشهب "

وحدثنا ابن وكيع وابن المثنى ، قالا ثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن ابن عباس ، قال بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من الأنصار ، إذ رمي بنجم فاستنار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه ؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإنه لا يرمى [ ص: 14 ] به لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش : ماذا قال ربنا ؟ فيخبرونهم ، ثم يستخبر أهل كل سماء ، حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا ، وتخطف الشياطين السمع ، فيرمون ، فيقذفونه إلى أوليائهم ، فما جاءوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يزيدون " .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : أخبرنا معمر قال : ثنا ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا في نفر من أصحابه قال : فرمي بنجم ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه : قلت للزهري : أكان يرمى بها في الجاهلية ؟ قال : نعم ، ولكنها غلظت حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - .

حدثني علي بن داود قال : ثنا عاصم بن علي قال : ثنا أبي علي بن عاصم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " كان للجن مقاعد في السماء يسمعون الوحي ، وكان الوحي إذا أوحي سمعت الملائكة كهيئة الحديدة يرمى بها على الصفوان ، فإذا سمعت الملائكة صلصلة الوحي خر لجباههم من في السماء من الملائكة ، فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي ( قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) قال : فيتنادون قال : ربكم الحق وهو العلي الكبير قال : فإذا أنزل إلى السماء الدنيا ، قالوا : يكون في الأرض كذا وكذا موتا ، وكذا وكذا حياة . وكذا وكذا جدوبة ، وكذا وكذا خصبا ، وما يريد أن يصنع ، وما يريد أن يبتدئ تبارك وتعالى ، فنزلت الجن . فأوحوا إلى أوليائهم من الإنس ، مما يكون في الأرض ، فبينا هم كذلك ، إذ بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فزجرت الشياطين عن السماء ورموهم بكواكب ، فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق ، وفزع أهل الأرض لما رأوا في الكواكب ، ولم يكن قبل ذلك ، وقالوا : هلك من في السماء ، وكان أهل [ ص: 15 ] الطائف أول من فزع ، فينطلق الرجل إلى إبله ، فينحر كل يوم بعيرا لآلهتهم ، وينطلق صاحب الغنم ، فيذبح كل يوم شاة ، وينطلق صاحب البقر . فيذبح كل يوم بقرة ، فقال لهم رجل : ويلكم لا تهلكوا أموالكم ، فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء ، فأقلعوا وقد أسرعوا في أموالهم . وقال إبليس : حدث في الأرض حدث ، فأتى من كل أرض بتربة ، فجعل لا يؤتى بتربة أرض إلا شمها ، فلما أتى بتربة تهامة قال : هاهنا حدث الحدث ، وصرف الله إليه نفرا من الجن وهو يقرأ القرآن ، فقالوا : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا ) حتى ختم الآية . . . ، فولوا إلى قومهم منذرين .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر ما قضي في السماء ، فتسترق الشياطين السمع ، فتسمعه فتوحيه إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم .

فهذه الأخبار تنبئ عن أن الشياطين تسمع ، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تسمع .

فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام " إلى " ، كان التسمع أولى بالكلام من السمع ، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن ، وذلك أن العرب تقول : سمعت فلانا يقول كذا ، وسمعت إلى فلان يقول كذا ، وسمعت من فلان .

وتأويل الكلام : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب . وحفظا من كل شيطان مارد أن لا يسمع إلى الملإ الأعلى ، فحذفت " إن " اكتفاء بدلالة الكلام عليها ، كما قيل : ( كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به ) بمعنى : أن لا يؤمنوا به ، ولو كان مكان " لا " أن ، لكان فصيحا ، كما قيل : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) بمعنى : أن لا تضلوا ، وكما قال : ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) بمعنى : أن لا تميد بكم . والعرب قد تجزم مع " لا " في مثل هذا الموضع من الكلام ، فتقول : ربطت الفرس لا ينفلت ، كما قال بعض بني [ ص: 16 ] عقيل :


وحتى رأينا أحسن الود بيننا مساكنة لا يقرف الشر قارف



ويروى : لا يقرف رفعا ، والرفع لغة أهل الحجاز فيما قيل : وقال قتادة في ذلك ما :

حدثني بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ) قال : منعوها . ويعني بقوله ( إلى الملإ ) : إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم .

وقوله ( ويقذفون من كل جانب دحورا ) ويرمون من كل جانب من جوانب السماء دحورا

والدحور : مصدر من قولك : دحرته أدحره دحرا ودحورا ، والدحر : الدفع والإبعاد ، يقال منه : ادحر عنك الشيطان : أي ادفعه عنك وأبعده .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويقذفون من كل جانب دحورا ) قذفا بالشهب .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن [ ص: 17 ] مجاهد قوله ( ويقذفون ) يرمون ( من كل جانب ) قال : من كل مكان . وقوله ( دحورا ) قال : مطرودين .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ويقذفون من كل جانب دحورا ) قال : الشياطين يدحرون بها عن الاستماع ، وقرأ وقال : ( إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب ) .

وقوله ( ولهم عذاب واصب ) يقول - تعالى ذكره - : ولهذه الشياطين المسترقة السمع عذاب من الله واصب .

واختلف أهل التأويل في معنى الواصب ، فقال بعضهم : معناه : الموجع .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ( ولهم عذاب واصب ) قال : موجع .

وحدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط عن السدي ، في قوله ( عذاب واصب ) قال : الموجع .

وقال آخرون : بل معناه : الدائم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( ولهم عذاب واصب ) : أي دائم .

حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( عذاب واصب ) قال : دائم .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ولهم عذاب واصب ) يقول : لهم عذاب دائم .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عمن ذكره ، عن عكرمة [ ص: 18 ] ( ولهم عذاب واصب ) قال : دائم .

حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولهم عذاب واصب ) قال : الواصب : الدائب .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال : معناه : دائم خالص ، وذلك أن الله قال ( وله الدين واصبا ) فمعلوم أنه لم يصفه بالإيلام والإيجاع ، وإنما وصفه بالثبات والخلوص ، ومنه قول أبي الأسود الدؤلي :


لا أشتري الحمد القليل بقاؤه     يوما بذم الدهر أجمع واصبا



أي دائما .

وقوله ( إلا من خطف الخطفة ) يقول : إلا من استرق السمع منهم ( فأتبعه شهاب ثاقب ) يعني : مضيء متوقد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فأتبعه شهاب ثاقب ) من نار وثقوبه : ضوءه .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( شهاب ثاقب ) قال : شهاب مضيء يحرقه حين يرمى به .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( فأتبعه شهاب ) قال : كان ابن عباس يقول : لا يقتلون بالشهاب ، ولا يموتون ، ولكنها تحرقهم من غير قتل ، وتخبل [ ص: 19 ] وتخدج من غير قتل .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فأتبعه شهاب ثاقب ) قال : والثاقب : المستوقد ، قال : والرجل يقول : أثقب نارك ، ويقول استثقب نارك استوقد نارك .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا عبيد الله قال : سئل الضحاك هل للشياطين أجنحة ؟ فقال : كيف يطيرون إلى السماء إلا ولهم أجنحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية