القول في تأويل قوله تعالى : ( 
فما ظنكم برب العالمين  ( 87 ) 
فنظر نظرة في النجوم  ( 88 ) 
فقال إني سقيم  ( 89 ) 
فتولوا عنه مدبرين  ( 90 ) 
فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون  ( 91 ) 
ما لكم لا تنطقون  ( 92 ) )  
[ ص: 63 ] يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل 
إبراهيم  لأبيه وقومه : ( 
فما ظنكم برب العالمين  ) ؟ يقول : فأي شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
فما ظنكم برب العالمين  ) يقول : إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره  . 
وقوله ( 
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم  ) ذكر أن قومه كانوا أهل تنجيم ، فرأى نجما قد طلع ، فعصب رأسه وقال : إني مطعون ، وكان قومه يهربون من الطاعون ، فأراد أن يتركوه في بيت آلهتهم ، ويخرجوا عنه ، ليخالفهم إليها فيكسرها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم  ) رأى نجما طلع  . 
حدثني 
يعقوب  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب   ( 
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم  ) رأى نجما طلع  . 
حدثنا 
بشر  قال : كايد نبي الله عن دينه ، فقال : إني سقيم . 
حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله ( 
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم  ) قالوا 
لإبراهيم  وهو في بيت آلهتهم : اخرج معنا ، فقال لهم : إني مطعون ، فتركوه مخافة أن يعديهم  . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد ،  عن أبيه ،  
[ ص: 64 ] في قول الله : ( 
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم  ) قال : أرسل إليه ملكهم ، فقال : إن غدا عيدنا ، فاحضر معنا قال : فنظر إلى نجم فقال : إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي ، فقال : ( 
إني سقيم  ) 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
سلمة ،  عن 
ابن إسحاق   ( 
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم  ) يقول الله : ( 
فتولوا عنه مدبرين  ) 
وقوله ( 
إني سقيم  ) : أي طعين ، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به ، وإنما يريد 
إبراهيم  أن يخرجوا عنه ، ليبلغ من أصنامهم الذي يريد . 
واختلف في وجه قيل 
إبراهيم  لقومه : ( 
إني سقيم  ) وهو صحيح ، فروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810948لم يكذب إبراهيم  إلا ثلاث كذبات  " . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
أبو كريب  قال : ثنا 
أبو أسامة  قال : ثني 
هشام ،  عن 
محمد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،  أن رسول الله قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810949ولم يكذب إبراهيم  غير ثلاث كذبات ، ثنتين في ذات الله ، قوله ( إني سقيم ) وقوله ( بل فعله كبيرهم هذا  ) ، وقوله في سارة   : هي أختي  " . 
حدثنا 
سعيد بن يحيى  قال : ثنا أبي قال : ثنا 
محمد بن إسحاق  قال : ثني 
أبو الزناد ،  عن 
عبد الرحمن الأعرج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810950لم يكذب إبراهيم  في شيء قط إلا في ثلاث  " ثم ذكر نحوه . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
جرير ،  عن 
مغيرة ،  عن 
المسيب بن رافع ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811748ما كذب إبراهيم  غير ثلاث كذبات ، قوله ( إني سقيم ) ، وقوله ( بل فعله كبيرهم هذا  ) ، وإنما قاله موعظة ، وقوله حين سأله الملك ، فقال أختي لسارة ،  وكانت امرأته  " .  
[ ص: 65 ] حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
أيوب ،  عن 
محمد  قال : " إن 
إبراهيم  ما كذب إلا ثلاث كذبات ، ثنتان في الله ، وواحدة في ذات نفسه ، فأما الثنتان فقوله ( إني سقيم ) ، وقوله ( 
بل فعله كبيرهم هذا  ) - وقصته في 
سارة "  وذكر قصتها وقصة الملك . 
وقال آخرون : إن قوله ( 
إني سقيم  ) كلمة فيها معراض ، ومعناها أن كل من كان في عقبة الموت فهو سقيم ، وإن لم يكن به حين قالها سقم ظاهر ، والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف هذا القول ، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الحق دون غيره . قوله ( 
فتولوا عنه مدبرين  ) يقول : فتولوا عن 
إبراهيم  مدبرين عنه ، خوفا من أن يعديهم السقم الذي ذكر أنه به . 
كما حدثت عن 
يحيى بن زكريا ،  عن بعض أصحابه ، عن 
حكيم بن جبير ،  عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس   ( 
إني سقيم  ) يقول : مطعون فتولوا عنه مدبرين ، قال 
سعيد   : إن كان الفرار من الطاعون لقديما . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  عن 
قتادة   ( فتولوا ) فنكصوا عنه ( مدبرين ) منطلقين  . 
وقوله ( 
فراغ إلى آلهتهم  ) يقول - تعالى ذكره - : فمال إلى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا ، وأرى أن أصل ذلك من قولهم : راغ فلان عن فلان : إذا حاد عنه ، فيكون معناه إذا كان كذلك : فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم ، كما قال 
عدي بن زيد   : 
حين لا ينفع الرواغ ولا ين فع إلا المصادق النحرير 
 [ ص: 66 ] يعني بقوله " لا ينفع الرواغ " : الحياد . أما أهل التأويل فإنهم فسروه بمعنى فمال . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
فراغ إلى آلهتهم  ) : أي فمال إلى آلهتهم قال : ذهب  . 
حدثنا 
محمد  قال : ثنا 
أحمد  قال : ثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قوله ( 
فراغ إلى آلهتهم  ) قال : ذهب  . 
وقوله ( 
فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون  ) هذا خبر من الله عن قيل 
إبراهيم  للآلهة ، وفي الكلام محذوف استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو : فقرب إليها الطعام فلم يرها تأكل ، فقال لها : ( 
ألا تأكلون  ) فلما لم يرها تأكل قال لها : ما لكم لا تأكلون ، فلم يرها تنطق ، فقال لها : ( 
ما لكم لا تنطقون  ) مستهزئا بها ، وكذلك ذكر أنه فعل بها ، وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما مضى قبل . 
وقال 
قتادة  في ذلك ما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
قال ألا تأكلون  ) يستنطقهم ( 
ما لكم لا تنطقون  )