القول في تأويل قوله تعالى : ( 
قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم  ( 97 ) 
فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين  ( 98 ) 
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين  ( 99 ) 
رب هب لي من الصالحين  ( 100 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : قال قوم 
إبراهيم  لما قال لهم 
إبراهيم   : ( 
أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون  ) ابنوا 
لإبراهيم  بنيانا ، ذكر أنهم بنوا له بنيانا يشبه التنور ، ثم نقلوا إليه الحطب ، وأوقدوا عليه ( 
فألقوه في الجحيم  ) والجحيم عند العرب : جمر النار بعضه على بعض ، والنار على النار .  
[ ص: 71 ] وقوله ( 
فأرادوا به كيدا  ) يقول - تعالى ذكره - : فأراد قوم 
إبراهيم  كيدا ، وذلك ما كانوا أرادوا من إحراقه بالنار . يقول الله : ( فجعلناهم ) أي فجعلنا قوم 
إبراهيم   ( الأسفلين ) يعني الأذلين حجة ، وغلبنا 
إبراهيم  عليهم بالحجة ، وأنقذناه مما أرادوا به من الكيد . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   : ( 
فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين  ) قال : فما ناظرهم بعد ذلك حتى أهلكهم  . 
وقوله ( 
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين  ) يقول : وقال 
إبراهيم  لما أفلجه الله على قومه ونجاه من كيدهم : ( 
إني ذاهب إلى ربي  ) يقول : إني مهاجر من بلدة قومي إلى الله : أي إلى الأرض المقدسة ، ومفارقهم ، فمعتزلهم لعبادة الله . 
وكان 
قتادة  يقول في ذلك ما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   : ( 
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين  ) : ذاهب بعمله وقلبه ونيته  . 
وقال آخرون في ذلك : إنما قال 
إبراهيم   ( 
إني ذاهب إلى ربي  ) حين أرادوا أن يلقوه في النار . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  قال : ثنا 
أبو داود  قال : ثنا 
شعبة ،  عن 
أبي إسحاق  قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد  يقول : لما أرادوا أن يلقوا 
إبراهيم  في النار 
قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين فجمع الحطب ، فجاءت عجوز على ظهرها حطب ، فقيل لها : أين تريدين ؟ قالت : أريد أذهب إلى هذا الرجل الذي يلقى في النار ، فلما ألقي فيها قال : حسبي الله عليه توكلت ، أو قال : حسبي الله ونعم الوكيل قال : فقال الله : ( 
يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم  ) قال : فقال ابن 
لوط ،  أو ابن أخي 
لوط   : إن النار لم تحرقه من أجلي ، وكان بينهما قرابة ، فأرسل الله عليه عنقا من النار فأحرقته  . 
وإنما اخترت القول الذي قلت في ذلك ، لأن الله تبارك وتعالى ذكر خبره  
[ ص: 72 ] وخبر قومه في موضع آخر ، فأخبر أنه لما نجاه مما حاول قومه من إحراقه قال ( 
إني مهاجر إلى ربي  ) ففسر أهل التأويل ذلك أن معناه : إني مهاجر إلى أرض 
الشام ،  فكذلك قوله ( 
إني ذاهب إلى ربي  ) لأنه كقوله ( 
إني مهاجر إلى ربي  ) وقوله ( سيهدين ) يقول : سيثبتني على الهدى الذي أبصرته ، ويعينني عليه . 
وقوله ( 
رب هب لي من الصالحين  ) وهذا مسألة 
إبراهيم  ربه أن يرزقه ولدا صالحا ، يقول : قال : يا رب هب لي منك ولدا يكون من الصالحين الذين يطيعونك ، ولا يعصونك ، ويصلحون في الأرض ، ولا يفسدون . 
كما حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : ثنا 
أحمد بن المفضل  قال : ثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  في قوله ( 
رب هب لي من الصالحين  ) قال : ولدا صالحا  . 
وقال : من الصالحين ، ولم يقل : صالحا من الصالحين ، اجتزاء " بمن " ذكر المتروك . كما قال عز وجل : ( 
وكانوا فيه من الزاهدين  ) بمعنى زاهدين من الزاهدين .