القول في 
تأويل قوله تعالى : ( قل هو نبأ عظيم  ( 67 ) 
أنتم عنه معرضون  ( 68 ) 
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون  ( 69 ) 
إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين  ( 70 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - : ( قل ) يا 
محمد  لقومك المكذبيك فيما جئتهم به من عند الله من هذا القرآن ، القائلين لك فيه : إن هذا إلا اختلاق ( هو نبأ عظيم ) يقول : هذا 
القرآن خبر عظيم  . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
عبد الأعلى بن واصل الأسدي  قال : ثنا 
أبو أسامة  عن 
شبل بن عباد  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  في قوله ( 
قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون  ) قال : القرآن  . 
حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا 
هشيم  قال : أخبرنا 
هشام  عن  
[ ص: 236 ] ابن سيرين  عن 
شريح  أن رجلا قال له : أتقضي علي بالنبأ ؟ قال : فقال له 
شريح   : أوليس القرآن نبأ ؟ قال : وتلا هذه الآية : ( 
قل هو نبأ عظيم  ) قال : وقضى عليه  . 
حدثنا 
محمد  قال : ثنا 
أحمد  قال : ثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قوله ( 
قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون  ) قال : القرآن  . 
وقوله ( 
أنتم عنه معرضون  ) يقول : أنتم عنه منصرفون لا تعملون به ، ولا تصدقون بما فيه من حجج الله وآياته . 
وقوله ( 
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى  ) يقول لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - : قل يا 
محمد  لمشركي قومك : ( 
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون  ) في شأن 
آدم  من قبل أن يوحي إلي ربي فيعلمني ذلك ، يقول : ففي إخباري لكم عن ذلك دليل واضح على أن هذا 
القرآن وحي من الله وتنزيل من عنده ، لأنكم تعلمون أن علم ذلك لم يكن عندي قبل نزول هذا القرآن ، ولا هو مما شاهدته فعاينته ، ولكني علمت ذلك بإخبار الله إياي به . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون  ) قال : الملأ الأعلى : الملائكة حين شووروا في خلق 
آدم  ، فاختصموا فيه ، وقالوا : لا تجعل في الأرض خليفة  . 
حدثنا 
محمد  قال : ثنا 
أحمد  قال : ثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   ( 
بالملأ الأعلى إذ يختصمون  ) هو : ( 
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة  )  . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله  
[ ص: 237 ]  ( 
ما كان لي من علم بالملأ الأعلى  ) قال : هم الملائكة ، كانت خصومتهم في شأن 
آدم  حين قال ربك للملائكة : ( 
إني خالق بشرا من طين  ) . . . حتى بلغ ( ساجدين ) وحين قال : ( 
إني جاعل في الأرض خليفة  ) . . . حتى بلغ ( 
ويسفك الدماء  ) ففي هذا اختصم الملأ الأعلى  . 
وقوله ( 
إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين  ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - : قل يا 
محمد  لمشركي قريش : ما يوحي الله إلي علم ما لا علم لي به ، من نحو العلم بالملأ الأعلى واختصامهم في أمر 
آدم  إذ أراد خلقه ، إلا لأني إنما أنا نذير مبين ، ف "إنما " على هذا التأويل في موضع خفض على قول من كان يرى أن مثل هذا الحرف الذي ذكرنا لا بد له من حرف خافض ، فسواء إسقاط خافضه منه وإثباته . وأما على قول من رأى أن مثل هذا ينصب إذا أسقط منه الخافض ، فإنه على مذهبه نصب ، وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . 
وقد يتجه لهذا الكلام وجه آخر ، وهو أن يكون معناه : ما يوحي الله إلا إنذاركم . وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى ، كانت " إنما " في موضع رفع ؛ لأن الكلام يصير حينئذ بمعنى : ما يوحى إلي إلا الإنذار . 
قوله ( 
إلا أنما أنا نذير مبين  ) يقول : إلا أني نذير لكم مبين لكم إنذاره إياكم . وقيل : إلا أنما أنا ، ولم يقل : إلا أنما أنك ، والخبر من 
محمد  عن الله ، لأن الوحي قول ، فصار في معنى الحكاية ، كما يقال في الكلام : أخبروني أني مسيء ، وأخبروني أنك مسيء بمعنى واحد ، كما قال الشاعر : 
رجلان من ضبة أخبرانا أنا رأينا رجلا عريانا 
 [ ص: 238 ] بمعنى : أخبرانا أنهما رأيا ، وجاز ذلك لأن الخبر أصله حكاية .