القول في 
تأويل قوله تعالى ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني تعالى ذكره بقوله : " 
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا  " ، وقالت 
اليهود  لمحمد  صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين : كونوا هودا تهتدوا ؛ وقالت 
النصارى  لهم : كونوا نصارى تهتدوا . 
تعني بقولها : "تهتدوا " ، أي تصيبوا طريق الحق . كما : - 
2090 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير   - وحدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة   - جميعا ، عن 
ابن إسحاق  ، قال : حدثني 
محمد بن أبي محمد مولى  [ ص: 102 ] زيد بن ثابت  قال : حدثني 
سعيد بن جبير ،  أو 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس  قال : 
قال عبد الله بن صوريا الأعور  لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه! فاتبعنا يا محمد  تهتد! وقالت النصارى  مثل ذلك . فأنزل الله عز وجل فيهم : "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " . 
قال 
أبو جعفر   : احتج الله لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها ، وعلمها 
محمدا  نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : يا 
محمد ،  قل - للقائلين لك من 
اليهود  والنصارى  ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : بل تعالوا نتبع ملة 
إبراهيم  التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به - فإن دينه كان الحنيفية المسلمة - وندع سائر الملل التي نختلف فيها ، فينكرها بعضنا ، ويقر بها بعضنا . فإن ذلك - على اختلافه - لا سبيل لنا على الاجتماع عليه ، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم . 
وفي نصب قوله : "بل ملة إبراهيم " أوجه ثلاثة . أحدها : أن يوجه معنى قوله : "وقالوا كونوا هودا أو نصارى " ، إلى معنى : وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية . لأنهم إذ قالوا : "كونوا هودا أو نصارى " ، إلى اليهودية والنصرانية دعوهم ، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة . فيكون معنى الكلام حينئذ : قل يا 
محمد ،  لا نتبع اليهودية والنصرانية ، ولا نتخذها ملة ، بل نتبع ملة 
إبراهيم  حنيفا ، ثم يحذف "نتبع " الثانية ، ويعطف ب "الملة " على إعراب اليهودية والنصرانية . 
والآخر : أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى "نتبع " 
والثالث : أن يكون أريد : بل نكون أصحاب ملة 
إبراهيم  ، أو أهل ملة  
[ ص: 103 ] إبراهيم   . ثم حذف "الأهل " و "الأصحاب " ، وأقيمت "الملة " مقامهم ، إذ كانت مؤدية عن معنى الكلام ، كما قال الشاعر : 
حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ، ويب غيرك ، بالعناق 
يعني : صوت عناق ، فتكون "الملة " حينئذ منصوبة ، عطفا في الإعراب على " 
اليهود  والنصارى   " . 
وقد يجوز أن يكون منصوبا على وجه الإغراء ، باتباع ملة 
إبراهيم   . 
وقرأ بعض القراء ذلك رفعا ، فتأويله - على قراءة من قرأ رفعا : بل الهدى ملة 
إبراهيم   .