[ ص: 352 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( 
ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد  ( 4 ) 
كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب  ( 5 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ما يخاصم في حجج الله وأدلته على وحدانيته بالإنكار لها إلا الذين جحدوا توحيده . 
وقوله : ( 
فلا يغررك تقلبهم في البلاد  ) يقول - جل ثناؤه - : فلا يخدعك يا 
محمد  تصرفهم في البلاد وبقاؤهم ومكثهم فيها ، مع كفرهم بربهم ، فتحسب أنهم إنما أمهلوا وتقلبوا ، فتصرفوا في البلاد مع كفرهم بالله ، ولم يعاجلوا بالنقمة والعذاب على كفرهم ؛ لأنهم على شيء من الحق فإنا لم نمهلهم لذلك ، ولكن ليبلغ الكتاب أجله ، ولتحق عليهم كلمة العذاب ، عذاب ربك . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
فلا يغررك تقلبهم في البلاد  ) أسفارهم فيها ، ومجيئهم وذهابهم . 
ثم قص على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصص الأمم المكذبة رسلها ، وأخبره أنهم كانوا من جدالهم لرسله على مثل الذي عليه قومه الذين أرسل إليهم ، وإنه أحل بهم من نقمته عند بلوغهم أمدهم - بعد إعذار رسله إليهم ، وإنذارهم بأسه - ما قد ذكر في كتابه إعلاما منه بذلك نبيه أن سنته في قومه الذين سلكوا سبيل أولئك في تكذيبه وجداله سنته من إحلال نقمته بهم ، وسطوته بهم ، فقال - تعالى ذكره - : كذبت قبل قومك - المكذبين لرسالتك إليهم رسولا المجادليك بالباطل - 
قوم نوح   والأحزاب  من بعدهم ، وهم الأمم الذين تحزبوا وتجمعوا على رسلهم بالتكذيب لها ، 
كعاد  وثمود  ، 
وقوم لوط  ، 
وأصحاب مدين  وأشباههم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  
[ ص: 353 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم  ) قال : الكفار . 
وقوله : ( 
وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه  ) يقول - تعالى ذكره - : وهمت كل أمة من هذه الأمم المكذبة رسلها ، المتحزبة على أنبيائها برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه فيقتلوه . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه  ) : أي ليقتلوه . وقيل برسولهم وقد قيل : كل أمة ، فوجهت الهاء والميم إلى الرجل دون لفظ الأمة ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله " برسولها " يعني برسول الأمة . 
وقوله : ( 
وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق  ) يقول : وخاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة ليبطلوا بجدالهم إياه وخصومتهم له الحق الذي جاءهم به من عند الله من الدخول في طاعته ، والإقرار بتوحيده ، والبراءة من عبادة ما سواه ، كما يخاصمك كفار قومك يا 
محمد  بالباطل . 
وقوله : ( 
فأخذتهم فكيف كان عقاب  ) يقول - تعالى ذكره - : فأخذت الذين هموا برسولهم ليأخذوه بالعذاب من عندي ، فكيف كان عقابي إياهم ، ألم أهلكهم فأجعلهم للخلق عبرة ، ولمن بعدهم عظة ؟ وأجعل ديارهم ومساكنهم منهم خلاء ، وللوحوش ثواء .
وقد حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
فأخذتهم فكيف كان عقاب  ) قال : شديد والله .