القول في تأويل قوله تعالى : ( 
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم  ( 7 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : الذين يحملون عرش الله من ملائكته ، ومن حول عرشه ممن يحف به من الملائكة ( 
يسبحون بحمد ربهم  ) يقول : يصلون لربهم بحمده وشكره ( ويؤمنون به ) يقول : ويقرون بالله أنه لا إله لهم سواه ، ويشهدون بذلك ، لا يستكبرون عن عبادته ( 
ويستغفرون للذين آمنوا  ) يقول : ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقروا بمثل إقرارهم من توحيد الله - والبراءة من كل معبود سواه - ذنوبهم ، فيعفوها عنهم .  
[ ص: 355 ] 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
ويستغفرون للذين آمنوا  ) لأهل لا اله إلا الله . 
وقوله : ( 
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما  ) وفي هذا الكلام محذوف . وهو يقولون : ومعنى الكلام ويستغفرون للذين آمنوا يقولون : يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما . ويعني بقوله : ( 
وسعت كل شيء رحمة وعلما  ) : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك ، فعلمت كل شيء ، فلم يخف عليك شيء ، ورحمت خلقك ، ووسعتهم برحمتك . 
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب الرحمة والعلم ، فقال بعض 
نحويي البصرة :  انتصاب ذلك كانتصاب : لك مثله عبدا ؛ لأنك قد جعلت وسعت كل شيء - وهو مفعول له ، والفاعل التاء ، وجاء بالرحمة والعلم - تفسيرا ، وقد شغلت عنهما الفعل كما شغلت المثل بالهاء ، فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل . وقال غيره : هو من المنقول ، وهو مفسر ، وسعت رحمته وعلمه ، ووسع هو كل شيء رحمة ، كما تقول : طابت به نفسي ، طبت به نفسا . قال : أما لك مثله عبدا ، فإن المقادير لا تكون إلا معلومة مثل : عندي رطل زيتا ، والمثل غير معلوم ، ولكن لفظه لفظ المعرفة والعبد نكرة ، فلذلك نصب العبد ، وله أن يرفع ، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر : 
ما في معد والقبائل كلها قحطان مثلك واحد معدود 
وقال : رد " الواحد " على " مثل " لأنه نكرة . قال : ولو قلت : ما مثلك رجل ،  
[ ص: 356 ] ومثلك رجل ، ومثلك رجلا جاز ؛ لأن مثل يكون نكرة ، وإن كان لفظها معرفة . 
وقوله : ( 
فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك  ) يقول : فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك ، فرجع إلى توحيدك ، واتبع أمرك ونهيك . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن قتادة ( 
فاغفر للذين تابوا  ) من الشرك . 
وقوله : ( 
واتبعوا سبيلك  ) يقول : وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه ، ولزموا المنهاج الذي أمرتهم بلزومه ، وذلك الدخول في الإسلام . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
واتبعوا سبيلك  ) : أي طاعتك . وقوله : ( 
وقهم عذاب الجحيم  ) يقول : واصرف عن الذين تابوا من الشرك ، واتبعوا سبيلك عذاب النار يوم القيامة .