القول في تأويل قوله تعالى : ( 
رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق  ( 15 ) 
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار  ( 16 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : هو رفيع الدرجات ، ورفع قوله : ( 
رفيع الدرجات  ) على الابتداء . ولو جاء نصبا على الرد على قوله : فادعوا الله ، كان صوابا . ( 
ذو العرش  ) يقول : ذو السرير المحيط بما دونه . 
وقوله : ( 
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده  ) يقول : ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده . 
وقد اختلف أهل التأويل في 
معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى به الوحي . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
يلقي الروح من أمره  ) قال : الوحي من أمره . 
وقال آخرون : عنى به القرآن والكتاب . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
هارون بن إدريس الأصم  قال : ثنا 
عبد الرحمن بن  [ ص: 364 ] المحاربي  ، عن 
جويبر  ، عن 
الضحاك  في قوله : ( 
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده  ) قال : يعني بالروح : الكتاب ينزله على من يشاء . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده  ) ، وقرأ : ( 
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا  ) قال : هذا القرآن هو الروح ، أوحاه الله إلى 
جبريل  ، 
وجبريل  روح نزل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرأ : ( 
نزل به الروح الأمين  ) قال . فالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه هي الروح ؛ لينذر بها ما قال الله يوم التلاق ، ( 
يوم يقوم الروح والملائكة صفا  ) قال : الروح : القرآن ، كان أبي يقوله . قال 
ابن زيد   : يقومون له صفا بين السماء والأرض حين ينزل جل جلاله . 
وقال آخرون : عنى به النبوة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
محمد  قال : ثنا 
أحمد  قال : ثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في قول الله : ( 
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده  ) قال : النبوة على من يشاء . 
وهذه الأقوال متقاربات المعاني ، وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها . 
وقوله : ( 
لينذر يوم التلاق  ) يقول : لينذر من يلقي الروح عليه من عباده - من أمر الله بإنذاره من خلقه - عذاب يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، وهو يوم التلاق ، وذلك يوم القيامة . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي بن أبي طلحة  عن 
ابن عباس  قوله : 
 ( يوم التلاق  ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده .  
[ ص: 365 ] 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
يوم التلاق  ) : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق والخلق . 
حدثنا 
محمد  قال : ثنا 
أحمد  قال : ثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   ( 
يوم التلاق  ) تلقي أهل السماء وأهل الأرض . 
حدثنا 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد   ( 
يوم التلاق  ) قال : يوم القيامة . قال : يوم تتلاقى العباد . 
وقوله : ( 
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء  ) يعني 
بقوله ( يوم هم بارزون  ) يعني المنذرين الذين أرسل الله إليهم رسله لينذروهم . وهم ظاهرون - يعني - للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجر ، ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر ، ولكنهم بقاع صفصف لا أمت فيه ولا عوج . و " هم " من قوله : ( يوم هم ) في موضع رفع بما بعده ، كقول القائل : فعلت ذلك يوم الحجاج أمير . 
واختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها لم تخفض هم بيوم وقد أضيف إليه ؟ فقال بعض 
نحويي البصرة :  أضاف يوم إلى هم في المعنى ، فلذلك لا ينون اليوم ، كما قال : ( 
يوم هم على النار يفتنون  ) وقال : ( 
هذا يوم لا ينطقون  ) ومعناه : هذا يوم فتنتهم ، ولكن لما ابتدأ بالاسم ، وبنى عليه لم يقدر على جره ، وكانت الإضافة في المعنى إلى الفتنة ، وهذا إنما يكون إذا كان اليوم في معنى إذ ، وإلا فهو قبيح ، ألا ترى أنك تقول : ليتك زمن زيد أمير : أي إذ زيد أمير ، ولو قلت : ألقاك زمن زيد أمير لم يحسن . وقال غيره : معنى ذلك : أن الأوقات جعلت بمعنى إذ وإذا ، فلذلك بقيت على نصبها في الرفع والخفض والنصب ، فقال : ( 
ومن خزي يومئذ  ) فنصبوا ، والموضع خفض ، وذلك دليل على أنه جعل موضع الأداة ، ويجوز أن يعرب بوجوه الإعراب ؛ لأنه ظهر ظهور الأسماء ألا ترى أنه لا يعود عليه العائد كما يعود على الأسماء ، فإن عاد العائد نون وأعرب ولم يضف ، فقيل : أعجبني يوم فيه تقول لما أن خرج من معنى الأداة ، وعاد عليه الذكر صار اسما صحيحا . وقال : وجائز فى إذ أن تقول : أتيتك إذ تقوم ،  
[ ص: 366 ] كما تقول : أتيتك يوم يجلس القاضي ، فيكون زمنا معلوما ، فأما أتيتك يوم تقوم فلا مؤنة فيه ، وهو جائز عند جميعهم . وقال : وهذه التي تسمى إضافة غير محضة . 
والصواب من القول عندي في ذلك ، أن نصب يوم وسائر الأزمنة في مثل هذا الموضع نظير نصب الأدوات لوقوعها مواقعها ، وإذا أعربت بوجوه الإعراب ؛ فلأنها ظهرت ظهور الأسماء ، فعوملت معاملتها . 
وقوله : ( 
لا يخفى على الله منهم  ) أي ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا ( شيء ) . 
وكان 
قتادة  يقول في ذلك ما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء  ) ولكنهم برزوا له يوم القيامة ، فلا يستترون بحبل ولا مدر . 
وقوله : ( 
لمن الملك اليوم  ) يعني بذلك : يقول الرب : لمن الملك اليوم ، وترك ذكر " يقول " استغناء بدلالة الكلام عليه . وقوله : ( 
لله الواحد القهار  ) وقد ذكرنا الرواية الواردة بذلك فيما مضى قبل . ومعنى الكلام : يقول الرب : لمن السلطان اليوم ؟ وذلك يوم القيامة ، فيجيب نفسه فيقول : ( 
لله الواحد  ) الذي لا مثل له ولا شبيه ( القهار ) لكل شيء سواه بقدرته ، الغالب بعزته .