صفحة جزء


بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( حم ( 1 ) تنزيل من الرحمن الرحيم ( 2 ) كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( 3 ) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ( 4 ) )

قال أبو جعفر : قد تقدم القول منا فيما مضى قبل في معنى ( حم ) والقول في هذا الموضع كالقول في ذلك .

وقوله : ( تنزيل من الرحمن الرحيم ) يقول - تعالى ذكره - : هذا القرآن تنزيل من عند الرحمن الرحيم نزله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ( كتاب فصلت آياته ) يقول : كتاب بينت آياته .

كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( فصلت آياته ) قال : بينت آياته .

وقوله : ( قرآنا عربيا ) يقول - تعالى ذكره - : فصلت آياته هكذا .

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب القرآن ، فقال بعض نحويي البصرة قوله : ( كتاب فصلت ) الكتاب خبر لمبتدأ أخبر أن التنزيل كتاب ، ثم قال : ( فصلت آياته قرآنا عربيا ) شغل الفعل بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل ، فنصب القرآن ، وقال : ( بشيرا ونذيرا ) على أنه صفة ، وإن شئت جعلت نصبه على المدح كأنه حين ذكره أقبل في مدحته ، فقال : ذكرنا قرآنا عربيا بشيرا ونذيرا ، وذكرناه قرآنا عربيا ، وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر . [ ص: 428 ] وقال بعض نحويي الكوفة : نصب قرآنا على الفعل : أي فصلت آياته كذلك . قال : وقد يكون النصب فيه على القطع ، لأن الكلام تام عند قوله " آياته " . قال : ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا ، كما قال في موضع آخر : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ) وقال : وكذلك قوله : ( بشيرا ونذيرا ) فيه ما في ( قرآنا عربيا ) .

وقوله : ( لقوم يعلمون ) يقول : فصلت آيات هذا الكتاب قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللسان العربي .

بشيرا لهم يبشرهم إن هم آمنوا به ، وعملوا بما أنزل فيه من حدود الله وفرائضه بالجنة ، ( ونذيرا ) يقول ومنذرا من كذب به ولم يعمل بما فيه بأمر الله في عاجل الدنيا ، وخلود الأبد في نار جهنم في آجل الآخرة .

وقوله : ( فأعرض أكثرهم ) يقول - تعالى ذكره - : فاستكبر عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله ، وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الذين أنزل هذا القرآن بشيرا لهم ونذيرا ، وهم قوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . يقول : فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضا عنه واستكبارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية