صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( 13 ) إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون ( 14 ) )

يقول - تعالى ذكره - : فإن أعرض هؤلاء المشركون عن هذه الحجة التي بينتها لهم يا محمد ، ونبهتهم عليها فلم يؤمنوا بها ولم يقروا أن فاعل ذلك هو الله الذي لا إله غيره ، فقل لهم : أنذرتكم أيها الناس صاعقة تهلككم مثل صاعقة عاد وثمود .

وقد بينا فيما مضى أن معنى الصاعقة : كل ما أفسد الشيء وغيره عن هيئته . وقيل في هذا الموضع عنى بها وقيعة من الله وعذابا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) قال : يقول : أنذرتكم وقيعة عاد وثمود ، قال : عذاب مثل عذاب عاد وثمود .

وقوله : ( إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ) يقول : فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود التي أهلكتهم ، إذ جاءت عادا وثمود [ ص: 443 ] الرسل من بين أيديهم؛ فقوله " إذ " من صلة صاعقة . وعنى بقوله : ( من بين أيديهم ) الرسل التي أتت آباء الذين هلكوا بالصاعقة من هاتين الأمتين .

وعنى بقوله : ( ومن خلفهم ) : من خلف الرسل الذين بعثوا إلى آبائهم رسلا إليهم ، وذلك أن الله بعث إلى عاد هودا ، فكذبوه من بعد رسل قد كانت تقدمته إلى آبائهم أيضا ، فكذبوهم ، فأهلكوا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فإن أعرضوا ) . . . إلى قوله : ( ومن خلفهم ) قال : الرسل التي كانت قبل هود ، والرسل الذين كانوا بعده ، بعث الله قبله رسلا وبعث من بعده رسلا .

وقوله : ( ألا تعبدوا إلا الله ) يقول - تعالى ذكره - : جاءتهم الرسل بأن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له .

قالوا : ( لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ) يقول - جل ثناؤه - : فقالوا لرسلهم إذ دعوهم إلى الإقرار بتوحيد الله : لو شاء ربنا أن نوحده ، ولا نعبد من دونه شيئا غيره ، لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلا بما تدعوننا أنتم إليه ، ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا ، ولكنه رضي عبادتنا ما نعبد ، فلذلك لم يرسل إلينا بالنهي عن ذلك ملائكة .

وقوله : ( فإنا بما أرسلتم به كافرون ) يقول : قال لرسلهم : فإنا بالذي أرسلكم به ربكم إلينا جاحدون غير مصدقين به .

التالي السابق


الخدمات العلمية