1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة فصلت
  4. القول في تأويل قوله تعالى " فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ( 16 ) )

يقول - تعالى ذكره - : فأرسلنا على عاد ريحا صرصرا .

واختلف أهل التأويل في معنى الصرصر ، فقال بعضهم : عنى بذلك أنها ريح شديدة .

ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( ريحا صرصرا ) قال : شديدة .

حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ريحا صرصرا ) شديدة السموم عليهم .

وقال آخرون : بل عنى بها أنها باردة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) قال : الصرصر : الباردة . [ ص: 445 ]

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( ريحا صرصرا ) قال : باردة .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( ريحا صرصرا ) قال : باردة ذات الصوت .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت . الضحاك يقول ، في قوله : ( ريحا صرصرا ) يقول : ريحا فيها برد شديد .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد ، وذلك أن قوله : ( صرصرا ) إنما هو صوت الريح إذا هبت بشدة ، فسمع لها كقول القائل : صرر ، ثم جعل ذلك من أجل التضعيف الذي في الراء ، فقال ثم أبدلت إحدى الراءات صادا لكثرة الراءات ، كما قيل في ردده : ردرده ، وفي نههه : نهنهه ، كما قال رؤبة ؟


فاليوم قد تنهنهي وأول حلم ليس بالمسفه



وكما قيل في كففه : كفكفه ، كما قال النابغة ؟


أكفكف عبرة غلبت عداتي     إذا نهنهتها عادت ذباحا



وقد قيل : إن النهر الذي يسمى صرصرا ، إنما سمي بذلك لصوت الماء الجاري فيه ، وإنه " فعلل " من صرر نظير الريح الصرصر . [ ص: 446 ]

وقوله : ( في أيام نحسات ) اختلف أهل التأويل في تأويل النحسات ، فقال بعضهم : عنى بها المتتابعات .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( في أيام نحسات ) قال : أيام متتابعات أنزل الله فيهن العذاب .

وقال آخرون : عنى بذلك المشائيم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( أيام نحسات ) قال : مشائيم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( في أيام نحسات ) أيام والله كانت مشئومات على القوم .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : النحسات : المشئومات النكدات .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( في أيام نحسات ) قال : أيام مشئومات عليهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : أيام ذات شر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد قوله : ( أيام نحسات ) قال : النحس : الشر؛ أرسل عليهم ريح شر ليس فيها من الخير شيء .

وقال آخرون : النحسات : الشداد . [ ص: 447 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول ( في أيام نحسات ) قال : شداد .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عنى بها : أيام مشائيم ذات نحوس ، لأن ذلك هو المعروف من معنى النحس في كلام العرب .

وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار غير نافع وأبي عمرو ( في أيام نحسات ) بكسر الحاء ، وقرأه نافع وأبو عمرو : " نحسات " بسكون الحاء . وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقوله : ( يوم نحس مستمر ) وأن الحاء فيه ساكنة .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء علماء مع اتفاق معنييهما ، وذلك أن تحريك الحاء وتسكينها في ذلك لغتان معروفتان ، يقال هذا يوم نحس ، ويوم نحس ، بكسر الحاء وسكونها؛ قال الفراء : أنشدني بعض العرب ؟


أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم     طيا وبهراء قوم نصرهم نحس



وأما من السكون فقول الله ( يوم نحس ) ؛ منه قول الراجز ؟


يومين غيمين ويوما شمسا     نجمين بالسعد ونجما نحسا

[ ص: 448 ]

فمن كان في لغته : " يوم نحس " قال : " في أيام نحسات " ومن كان في لغته : ( يوم نحس ) قال : ( في أيام نحسات ) ، وقد قال بعضهم : النحس بسكون الحاء : هو الشؤم نفسه ، وإن إضافة اليوم إلى النحس ، إنما هو إضافة إلى الشؤم ، وإن النحس بكسر الحاء نعت لليوم بأنه مشئوم ، ولذلك قيل : ( في أيام نحسات ) لأنها أيام مشائيم .

وقوله : ( لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ) يقول - جل ثناؤه - : ولعذابنا إياهم في الآخرة أخزى لهم وأشد إهانة وإذلالا . يقول : وهم يعني عادا لا ينصرهم من الله يوم القيامة إذا عذبهم ناصر ، فينقذهم منه ، أو ينتصر لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية