1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة فصلت
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ( 44 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه يا محمد أعجميا لقال قومك من قريش : ( لولا فصلت آياته ) يعني : هلا بينت أدلته وما فيه من آية ، فنفقهه ونعلم ما هو وما فيه ، أأعجمي ، يعني أنهم كانوا يقولون إنكارا [ ص: 482 ] له : أأعجمي هذا القرآن ولسان الذي أنزل عليه عربي ؟ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) قال : لو كان هذا القران أعجميا لقالوا : القرآن أعجمي ، ومحمد عربي .

حدثنا محمد بن المثنى قال : ثني محمد بن أبي عدي ، عن داود بن أبي هند ، عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير في هذه الآية : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) قال : الرسول عربي ، واللسان أعجمي .

حدثنا ابن المثنى قال : ثني عبد الأعلى قال : ثنا أبو داود عن سعيد بن جبير في قوله : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) قرآن أعجمي ولسان عربي .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الأعلى قال : ثنا داود ، عن محمد بن أبي موسى ، عن عبد الله بن مطيع بنحوه .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( لولا فصلت آياته ) فجعل عربيا ، أعجمي الكلام وعربي الرجل .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ) يقول : بينت آياته ، أأعجمي وعربي ، نحن قوم عرب ما لنا وللعجمة .

وقد خالف هذا القول الذي ذكرناه عن هؤلاء آخرون ، فقالوا : معنى ذلك ( لولا فصلت آياته ) بعضها عربي ، وبعضها عجمي . وهذا التأويل على [ ص: 483 ] تأويل من قرأ ( أعجمي ) بترك الاستفهام فيه ، وحمله خبرا من الله تعالى عن قيل المشركين ذلك ، يعني : هلا فصلت آياته ، منها عجمي تعرفه العجم ، ومنها عربي تفقهه العرب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد قال : قالت قريش : لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا ، فأنزل الله ( لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) فأنزل الله بعده هذه الآية ( كل لسان ) ، فيه ( حجارة من سجيل ) قال : فارسية أعربت ( سنك وكل ) .

وقرأت قراء الأمصار : ( أأعجمي وعربي ؟ ) على وجه الاستفهام ، وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك : أعجمي بهمزة واحدة على غير مذهب الاستفهام ، على المعنى الذي ذكرناه عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة التي عليها قراء الأمصار لإجماع الحجة عليها على مذهب الاستفهام .

وقوله : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) يقول - تعالى ذكره - : قل يا محمد لهم : هو ، ويعني بقوله ( هو ) القرآن ( للذين آمنوا ) بالله ورسوله ، وصدقوا بما جاءهم به من عند ربهم ( هدى ) يعني : بيان للحق ( وشفاء ) يعني أنه شفاء من الجهل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال . ثنا سعيد ، عن قتادة ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قال : جمله الله نورا وبركة وشفاء للمؤمنين .

حدثنا محمد قال . ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قال : القرآن . [ ص: 484 ]

وقوله : ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) يقول - تعالى ذكره - : والذين لا يؤمنون بالله ورسوله ، وما جاءهم به من عند الله في آذانهم ثقل عن استماع هذا القرآن ، وصمم لا يستمعونه ولكنهم يعرضون عنه ، ( وهو عليهم عمى ) يقول : وهذا القرآن على قلوب هؤلاء المكذبين به عمى عنه ، فلا يبصرون حججه عليهم ، وما فيه من مواعظه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) عموا وصموا عن القرآن ، فلا ينتفعون به ، ولا يرغبون فيه .

حدثنا محمد قال . ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) قال : صمم ( وهو عليهم عمى ) قال : عميت قلوبهم عنه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وهو عليهم عمى ) قال : العمى : الكفر .

وقرأت قراء الأمصار : ( وهو عليهم عمى ) بفتح الميم . وذكر عن ابن عباس أنه قرأ : " وهو عليهم عم " بكسر الميم على وجه النعت للقرآن .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار .

وقوله : ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معنى ذلك : تشبيه من الله - جل ثناؤه - لعمى قلوبهم عن فهم ما أنزل في القرآن من حججه ومواعظه ببعيد فهم سامع صوت من بعيد نودي ، فلم يفهم ما نودي ، كقول العرب للرجل القليل الفهم : إنك لتنادى من بعيد ، وكقولهم للفهم : إنك لتأخذ الأمور من قريب . [ ص: 485 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن بعض أصحابه ، عن مجاهد ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال : بعيد من قلوبهم .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج عن مجاهد ، بنحوه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال : ضيعوا أن يقبلوا الأمر من قريب ، يتوبون ويؤمنون ، فيقبل منهم ، فأبوا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنهم ينادون يوم القيامة من مكان بعيد منهم بأشنع أسمائهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن أجلح ، عن الضحاك بن مزاحم ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال : ينادى الرجل بأشنع اسمه .

واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) فقال بعضهم : تمامه : ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) وجعل قائلو هذا القول خبر ( إن الذين كفروا بالذكر ) - ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) ؛ وقال بعض نحويي البصرة : يجوز ذلك ويجوز أن يكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها ، كما استغنت أشياء عن الخبر إذا طال الكلام ، وعرف المعنى ، نحو قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ) . وما أشبه ذلك .

قال : وحدثني شيخ من أهل العلم ، قال : سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) أين خبره ؟ فقال عمرو : [ ص: 486 ] معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به ( وإنه لكتاب عزيز ) فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان .

وكان بعض نحويي الكوفة يقول : إن شئت جعلت جواب ( إن الذين كفروا بالذكر ( ) أولئك ينادون من مكان بعيد ) وإن شئت كان جوابه في قوله : ( وإنه لكتاب عزيز ) ، فيكون جوابه معلوما فترك ، فيكون أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن .

وقال آخرون : بل ذلك مما انصرف عن الخبر عما ابتدئ به إلى الخبر عن الذي بعده من الذكر؛ فعلى هذا القول ترك الخبر عن الذين كفروا بالذكر ، وجعل الخبر عن الذكر فتمامه على هذا القول؛ وإنه لكتاب عزيز؛ فكان معنى الكلام عند قائل هذا القول : إن الذكر الذي كفر به هؤلاء المشركون لما جاءهم ، وإنه لكتاب عزيز ، وشبهه بقوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن ) .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : هو مما ترك خبره اكتفاء بمعرفة السامعين بمعناه لما تطاول الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية