صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ( 41 ) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ( 42 ) ) [ ص: 549 ]

يقول - تعالى ذكره - : ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه ( فأولئك ما عليهم من سبيل ) يقول : فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبة لا أذى ، لأنهم انتصروا منهم بحق ، ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه ، ولم يتعد ، لم يظلم ، فيكون عليه سبيل .

وقد اختلف أهل التأويل في المعني بذلك ، فقال بعضهم : عنى به كل منتصر ممن أساء إليه ، مسلما كان المسيء أو كافرا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا معاذ قال : ثنا ابن عون قال : كنت أسأل عن الانتصار ( ولمن انتصر بعد ظلمه ) . . . الآية ، فحدثني علي بن زيد بن جدعان ، عن أم محمد امرأة أبيه ، قال ابن عون : زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين قالت : قالت أم المؤمنين : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندنا زينب بنت جحش ، فجعل يصنع بيده شيئا ، ولم يفطن لها ، فقلت بيده حتى فطنته لها ، فأمسك ، وأقبلت زينب تقحم عائشة ، فنهاها ، فأبت أن تنتهي ، فقال لعائشة : " سبيها " فسبتها وغلبتها وانطلقت زينب فأتت عليا ، فقالت : إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم ، فجاءت فاطمة ، فقال لها : " إنها حبة أبيك ورب الكعبة " فانصرفت وقالت لعلي : إني قلت له كذا وكذا ، فقال كذا وكذا؛ قال : وجاء علي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلمه في ذلك .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولمن انتصر بعد ظلمه ) . . . الآية ، قال : هذا في الخمش يكون بين الناس . [ ص: 550 ]

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) قال : هذا فيما يكون بين الناس من القصاص ، فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه .

وقال آخرون : بل عنى به الانتصار من أهل الشرك ، وقال : هذا منسوخ .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) قال : لمن انتصر بعد ظلمه من المؤمنين انتصر من المشركين وهذا قد نسخ ، وليس هذا في أهل الإسلام ، ولكن في أهل الإسلام الذي قال الله تبارك وتعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .

والصواب من القول أن يقال : إنه معني به كل منتصر من ظالمه ، وأن الآية محكمة غير منسوخة للعلة التي بينت في الآية قبلها .

وقوله : ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ) يقول تبارك وتعالى : إنما الطريق لكم أيها الناس على الذين يتعدون على الناس ظلما وعدوانا ، بأن يعاقبوهم بظلمهم لا على من انتصر ممن ظلمه ، فأخذ منه حقه .

وقوله : ( ويبغون في الأرض بغير الحق ) يقول : ويتجاوزون في أرض الله الحد الذي أباح لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه ، فيفسدون فيها بغير الحق .

يقول : فهؤلاء الذين يظلمون الناس ، ويبغون في الأرض بغير الحق ، لهم عذاب من الله يوم القيامة في جهنم مؤلم موجع .

التالي السابق


الخدمات العلمية