1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الزخرف
  4. القول في تأويل قوله تعالى " لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ( 13 ) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( 14 ) )

يقول - تعالى ذكره - : كي تستووا على ظهور ما تركبون .

واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله : ( على ظهوره ) وتذكيرها ، فقال بعض نحويي البصرة : تذكيره يعود على ما تركبون ، وما هو مذكر ، كما يقال : عندي من النساء من يوافقك ويسرك ، وقد تذكر الأنعام وتؤنث . وقد قال في موضع آخر : ( مما في بطونه ) وقال في موضع آخر : ( بطونها ) وقال بعض نحويي الكوفة : أضيفت الظهور إلى الواحد ، لأن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش . قال : فإن قيل : فهلا قلت : لتستووا على ظهره ، فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد . قلت : إن الواحد فيه معنى الجمع ، فردت الظهور إلى المعنى ، ولم يقل ظهره ، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد . وكذلك تقول : قد كثر نساء الجند ، وقلت : ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه . قال : وكذلك كل ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة ، فأخرجها على الجمع ، وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده ، مثل قولك : رفع العسكر صوته ، وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلا الصورة في الواحد .

وقال آخر منهم : قيل : لتستووا على ظهره ، لأنه وصف للفلك ، [ ص: 575 ] ولكنه وحد الهاء ، لأن الفلك بتأويل جمع ، فجمع الظهور ووحد الهاء ، لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل : الجند منهزم ومنهزمون ، فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير ، فقلت : الجند رجال ، فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء ، ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته .

قوله : ( ثم تذكروا نعمة ربكم ) يقول - تعالى ذكره - : ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البر والبحر ( إذا استويتم عليه ) فتعظموه وتمجدوه ، وتقولوا تنزيها لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والأنعام ، مما يصفه به المشركون ، وتشرك معه في العبادة من الأوثان والأصنام ( وما كنا له مقرنين ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبوكريب وعبيد بن إسماعيل الهباري ، قالا ثنا المحاربي ، عن عاصم الأحول ، عن أبي هاشم عن أبي مجلز قال : ركبت دابة ، فقلت : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ، فسمعني رجل من أهل البيت؛ قال أبو كريب والهباري : قال المحاربي : فسمعت سفيان يقول : هو الحسن بن علي رضوان الله تعالى عليهما ، فقال : أهكذا أمرت ؟ قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : تقول الحمد لله الذي هدانا الإسلام ، الحمد لله الذي من علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام ، الحمد لله الذي جعلنا في خير أمة أخرجت للناس ، فإذا أنت قد ذكرت نعما عظاما ، ثم يقول بعد ذلك ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) . [ ص: 576 ]

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجلز ، أن الحسن بن علي رضى الله عنه ، رأى رجلا ركب دابة ، فقال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ) يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون : ( بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ) وإذا ركبتم الإبل قلتم : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون : اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان إذا ركب قال : اللهم هذا من منك وفضلك ، ثم يقول : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) .

وقوله : ( وما كنا له مقرنين ) وما كنا له مطيقين ولا ضابطين ، من قولهم : قد أقرنت لهذا : إذا صرت له قرنا وأطقته ، وفلان مقرن لفلان : أي ضابط له مطيق .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( وما كنا له مقرنين ) يقول : مطيقين .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل : ( مقرنين ) قال : الإبل والخيل والبغال والحمير .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما كنا له مقرنين ) أي مطيقين ، لا والله لا في الأيدي ولا في القوة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قوله : ( وما كنا له مقرنين ) قال : في القوة . [ ص: 577 ]

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( وما كنا له مقرنين ) قال : مطيقين .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله - جل ثناؤه - : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) قال : لسنا له مطيقين ، قال : لا نطيقها إلا بك ، لو لا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها .

وقوله : ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) يقول - جل ثناؤه - : وليقولوا أيضا : وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون .

التالي السابق


الخدمات العلمية