صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )

قال أبو جعفر : "والشهداء " جمع "شهيد " .

فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا [ لتكونوا ] [ ص: 146 ] شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ ، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها ، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا عليكم ، بإيمانكم به وبما جاءكم به من عندي ، كما : -

2179 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول : نعم . فيقال لقومه : هل بلغكم ؟ فيقول : ما جاءنا من نذير! فيقال له : من يعلم ذاك ؟ فيقول : محمد وأمته . فهو قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " .

2180 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا جعفر بن عون قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه - إلا أنه زاد فيه : فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ .

2181 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " - بأن الرسل قد بلغوا - "ويكون الرسول عليكم [ ص: 147 ] شهيدا " . بما عملتم ، أو فعلتم .

2182 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن النهاس : أن مكاتبا لهم حدثهم عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة ، مشرفين على الخلائق . ما أحد من الأمم إلا ود أنه منها أيتها الأمة ، وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداءه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم . قال : "ويكون الرسول عليكم شهيدا " . [ ص: 148 ]

2183 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي الفضل ، عن أبي هريرة قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فلما صلى على الميت قال الناس : نعم الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت! ثم خرجت معه في جنازة أخرى ، فلما صلوا على الميت قال الناس : بئس الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت . فقام إليه أبي بن كعب فقال : يا رسول الله ، ما قولك وجبت ؟ قال : " قول الله عز وجل : "لتكونوا شهداء على الناس " .

2184 - حدثني علي بن سهل الرملي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : [ ص: 149 ] حدثني أبو عمرو ، عن يحيى قال : حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني قال : حدثني أبو هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فقال الناس : نعم الرجل! ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه .

2185 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن حباب قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر عليه بجنازة ، فأثني عليها بثناء حسن ، فقال : وجبت! ومر عليه بجنازة أخرى ، فأثني عليها دون ذلك ، فقال : وجبت! قالوا : يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : الملائكة شهداء الله في السماء ، وأنتم شهداء الله في الأرض ، فما شهدتم عليه وجب . ثم قرأ : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) الآية [ سورة التوبة : 105 ] . [ ص: 150 ]

2186 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "لتكونوا شهداء على الناس " ، تكونوا شهداء لمحمد عليه السلام على الأمم ، اليهود والنصارى والمجوس .

2187 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

2188 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا [ أبو ] عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد ، فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغهم .

2189 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير مثله .

2190 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني ابن أبي نجيح ، عن أبيه قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فذكر مثله ، ولم يذكر عبيد بن عمير ، مثله .

2191 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 151 ] قتادة " لتكونوا شهداء على الناس " ، أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها ، " ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته .

2192 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أن قوم نوح يقولون يوم القيامة : لم يبلغنا نوح ! فيدعى نوح عليه السلام فيسأل : هل بلغتهم ؟ فيقول : نعم . فيقال : من شهودك ؟ فيقول : أحمد صلى الله عليه وسلم وأمته . فتدعون فتسألون فتقولون : نعم ، قد بلغهم . فتقول قوم نوح عليه السلام : كيف تشهدون علينا ولم تدركونا ؟ قالوا : قد جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أنه قد بلغكم ، وأنزل عليه أنه قد بلغكم ، فصدقناه . قال : فيصدق نوح عليه السلام ويكذبونهم . قال : " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا

2193 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "لتكونوا شهداء على الناس " ، لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا ، أن قد بلغ ما أرسل به .

2194 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلهم! لما يرون الله أعطاهم .

2195 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : حدثنا ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، قال أخبرني ابن أنعم المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جمع الله عباده يوم القيامة ، كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي ؟ هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب ، قد بلغته جبريل عليهما السلام ، فيدعى جبريل ، فيقال له : [ ص: 152 ] هل بلغك إسرافيل عهدي! فيقول : نعم رب ، قد بلغني . فيخلى عن إسرافيل ، ويقال لجبريل : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل . فتدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون : نعم ربنا . فيخلى عن جبريل ، ثم يقال للرسل : ما فعلتم بعهدي ؟ فيقولون : بلغنا أممنا . فتدعى الأمم ، فيقال : هل بلغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق ، فتقول الرسل : إن لنا عليهم شهودا يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك . فيقول : من يشهد لكم ؟ فيقولون : أمة محمد . فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون : نعم ربنا شهدنا أن قد بلغوا . فتقول تلك الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : كيف تشهدون على من لم تدركوا ؟ فيقولون : ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك ، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا ، فشهدنا بما عهدت إلينا . فيقول الرب : صدقوا . فذلك قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " - والوسط العدل - "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " . قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه . [ ص: 153 ]

2196 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يعني بذلك . الذين استقاموا على الهدى ، فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة ، لتكذيبهم رسل الله وكفرهم بآيات الله . [ ص: 154 ]

2197 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يقول : لتكونوا شهداء على الأمم الذين خلوا من قبلكم ، بما جاءتهم رسلهم ، وبما كذبوهم ، فقالوا يوم القيامة وعجبوا : إن أمة لم يكونوا في زماننا ، فآمنوا بما جاءت به رسلنا ، وكذبنا نحن بما جاءوا به! فعجبوا كل العجب . قوله : "ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، يعني بإيمانهم به ، وبما أنزل عليه .

2198 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يعني : أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم .

2199 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ؟ قال : أمة محمد ، شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الإيمان والهدى ، ممن كان قبلنا . قالها عبد الله بن كثير . قال : وقال عطاء : شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين ، جاء ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم ، "ويكون الرسول عليكم شهيدا " على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم ، وصدقوا به .

2200 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته ، وهم شهداء على الأمم ، وهم أحد الأشهاد الذين قال الله عز وجل : ( ويوم يقوم الأشهاد ) [ سورة غافر : 51 ] الأربعة : الملائكة الذين يحصون أعمالنا ، لنا وعلينا ، وقرأ قوله : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) [ سورة ق : 21 ] ، وقال : هذا يوم القيامة . قال : والنبيون شهداء على أممهم . قال : وأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على الأمم . قال : [ ص: 155 ] [ والأطوار ] الأجساد والجلود .

التالي السابق


الخدمات العلمية