القول في 
تأويل قوله تعالى : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين  ( 10 ) 
يغشى الناس هذا عذاب أليم  ( 11 ) 
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون  ( 12 ) ) 
يعني - تعالى ذكره - بقوله ( فارتقب ) فانتظر يا 
محمد  بهؤلاء المشركين من قومك الذين هم في شك يلعبون ، وإنما هو " افتعل " من رقبته : إذا انتظرته وحرسته . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد ،  قال ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( فارتقب ) : أي فانتظر  . 
وقوله ( 
يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) اختلف أهل التأويل في هذا الذي أمر الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرتقبه ، وأخبره أن السماء تأتي فيه بدخان مبين : أي يوم هو ، ومتى هو ؟ وفي معنى الدخان الذي ذكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم : ذلك حين دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على 
قريش  ربه - تبارك وتعالى - أن يأخذهم بسنين كسني 
يوسف  ، فأخذوا بالمجاعة . قالوا : وعنى بالدخان ما كان يصيبهم حينئذ في أبصارهم من شدة الجوع من الظلمة كهيئة الدخان . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي  قال : ثنا 
يحيى بن عيسى  ، عن 
الأعمش  ، عن 
مسلم  ، عن 
مسروق  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811760دخلنا المسجد ، فإذا رجل يقص على أصحابه . ويقول : ( يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) تدرون ما ذلك  [ ص: 14 ] الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ أسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام ؟ قال : فأتينا ابن مسعود  ، فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا ، ففزع ، فقعد فقال : إن الله - عز وجل - قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين  ) إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : الله أعلم ، سأحدثكم عن ذلك . إن قريشا  لما أبطأت عن الإسلام ، واستعصت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف  ، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان  . 
قال الله - تبارك وتعالى - ( 
يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم  ) فقالوا ( 
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون  ) قال الله - جل ثناؤه - ( 
إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون  ) قال : فعادوا يوم 
بدر  فانتقم الله منهم . 
حدثني 
عبد الله بن محمد الزهري  قال : ثنا 
مالك بن سعير  قال : ثنا 
الأعمش  ، عن 
مسلم  ، عن 
مسروق  قال : كان في المسجد رجل يذكر الناس ، فذكر نحو حديث 
عيسى  ، عن 
يحيى بن عيسى  ، إلا أنه قال : فانتقم يوم 
بدر  ، فهي البطشة الكبرى . 
حدثنا 
ابن حميد  ، 
وعمرو بن عبد الحميد  قالا : ثنا 
جرير  ، عن 
منصور  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11870أبي الضحى مسلم بن صبيح  ، عن 
مسروق  قال : كنا عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  جلوسا وهو مضطجع بيننا ، فأتاه رجل فقال : يا 
أبا عبد الرحمن   : إن قاصا عند أبواب 
كندة  يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام ، فقام 
عبد الله  وجلس وهو غضبان ، فقال : يا أيها الناس اتقوا الله ، فمن علم شيئا فليقل بما يعلم ، ومن لا يعلم فليقل : الله أعلم  . 
وقال 
عمرو   : فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم ، وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم : لا أعلم ، فإن الله - عز وجل - يقول لنبيه 
محمد  صلى الله  
[ ص: 15 ] عليه وسلم ( 
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين  ) 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502091إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى من الناس إدبارا ، قال : " اللهم سبعا كسبع يوسف   " فأخذتهم سنة حصت كل شيء ، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف ، ينظر أحدهم إلى السماء فيرى دخانا من الجوع . فأتاه  nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب  فقال : يا محمد  إنك جئت تأمر بالطاعة وبصلة الرحم ، وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم ، قال الله - عز وجل - ( 
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) . . . إلى قوله ( 
إنكم عائدون  ) قال : فكشف عنهم ( 
يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون  ) فالبطشة يوم 
بدر  ، وقد مضت آية الروم وآية الدخان ، والبطشة واللزام . 
حدثني 
أبو السائب  قال : ثنا 
أبو معاوية  ، عن 
الأعمش  ، عن 
مسلم  ، عن 
مسروق  قال : قال 
عبد الله   : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم . 
حدثنا 
أبو كريب  قال : " ثنا 
أبو بكر بن عياش  ، عن 
عاصم  قال : شهدت جنازة فيها 
زيد بن علي  فأنشأ يحدث يومئذ ، فقال : إن 
الدخان يجيء قبل يوم القيامة ، فيأخذ بأنف المؤمن الزكام ، ويأخذ بمسامع الكافر ، قال : قلت رحمك الله ، إن صاحبنا 
عبد الله  قد قال غير هذا ، قال : إن الدخان قد مضى وقرأ هذه الآية ( 
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم  ) قال : أصاب الناس جهد حتى جعل الرجل يرى ما بينه وبين السماء دخانا ، فذلك قوله ( فارتقب ) وكذا قرأ 
عبد الله  إلى قوله ( مؤمنون ) قال ( 
إنا كاشفوا العذاب قليلا  ) قلت 
لزيد  فعادوا ، فأعاد الله عليهم 
بدرا  ، فذلك قوله ( 
وإن عدتم عدنا  ) فذلك يوم بدر ، قال : فقبل والله . قال 
عاصم   : فقال رجل يرد عليه ، فقال 
زيد   - رحمة الله عليه - : أما إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال : " 
إنكم سيجيئكم رواة ، فما وافق القرآن فخذوا به ، وما كان غير ذلك فدعوه  " . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  قال : ثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
داود  ، عن 
عامر  ،  
[ ص: 16 ] عن 
ابن مسعود  أنه قال : البطشة الكبرى يوم 
بدر  ، وقد مضى الدخان . 
حدثنا 
ابن بشار  قال : ثنا 
ابن أبي عدي  ، عن 
عوف  قال : سمعت 
أبا العالية  يقول : إن الدخان قد مضى  . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
سلمة  ، عن 
عمرو  ، عن 
مغيرة  ، عن 
إبراهيم  قال : مضى الدخان لسنين أصابتهم  . 
حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  قال : ثنا 
أيوب  ، عن 
محمد  قال : نبئت أن 
ابن مسعود  كان يقول : قد مضى الدخان ، كان سنين كسني 
يوسف   . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   ( 
يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) قال : الجدب وإمساك المطر عن كفار 
قريش  ، إلى قوله ( 
إنا مؤمنون  ) . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) قال : كان 
ابن مسعود  يقول : قد مضى الدخان ، وكان سنين كسني 
يوسف   ( 
يغشى الناس هذا عذاب أليم  ) . 
حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  ، قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله ( 
يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) قد مضى شأن الدخان . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
جرير  ، عن 
مغيرة  ، عن 
إبراهيم  ، عن 
عبد الله   ( 
يوم نبطش البطشة الكبرى  ) قال : يوم بدر . 
وقال آخرون : الدخان آية من آيات الله مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة ، فيدخل في أسماع أهل الكفر به ، ويعتري أهل الإيمان به كهيئة الزكام . قالوا : ولم يأت بعد ، وهو آت .  
[ ص: 17 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
واصل بن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن فضيل ،  عن 
الوليد بن جميع  ، عن 
عبد الملك بن المغيرة  ، عن 
عبد الرحمن بن البيلماني  ، عن 
ابن عمر  قال : يخرج الدخان ، فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة ، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق ، حتى يكون كالرأس الحنيذ . 
حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12531عبد الله بن أبي مليكة  قال : غدوت على 
ابن عباس  ذات يوم ، فقال : ما نمت الليلة حتى أصبحت ، قلت : لم ؟ قال : قالوا : طلع الكوكب ذو الذنب ، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ، فما نمت حتى أصبحت . 
حدثنا 
محمد بن بزيع  قال : ثنا 
بشر بن المفضل  ، عن 
عوف  قال : قال 
الحسن   : إن الدخان قد بقي من الآيات ، فإذا جاء الدخان نفخ الكافر حتى يخرج من كل سمع من مسامعه ، ويأخذ المؤمن كزكمة  . 
حدثنا 
ابن بشار  قال : ثنا 
عثمان - يعني - ابن الهيثم  قال : ثنا 
عوف  ، عن 
الحسن  بنحوه . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  ، عن 
الحسن  ، عن 
أبي سعيد  قال : يهيج الدخان بالناس . فأما المؤمن فيأخذه منه كهيئة الزكمة . وأما الكافر فيهيجه حتى يخرج من كل مسمع منه . قال : وكان بعض أهل العلم يقول : فما مثل الأرض يومئذ إلا كمثل بيت أوقد فيه ليس فيه خصاصة . 
حدثني 
عصام بن رواد بن الجراح  قال : ثني أبي ، قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد الثوري  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن حراش  قال : سمعت 
حذيفة بن اليمان  يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811761 " أول الآيات الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم  ، ونار تخرج من قعر عدن أبين  تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا ، والدخان . قال حذيفة   : يا رسول الله  [ ص: 18 ] وما الدخان ؟ فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية ( يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم  ) يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام . وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره" . 
حدثني 
محمد بن عوف  قال : ثنا 
محمد بن إسماعيل بن عياش  قال : ثني أبي ، قال : ثني 
ضمضم بن زرعة  ، عن 
شريح بن عبيد  ، عن 
أبي مالك الأشعري  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812782إن ربكم أنذركم ثلاثا : الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ، والثانية الدابة ، والثالثة الدجال  " . 
وأولى القولين بالصواب في ذلك ما روي عن 
ابن مسعود  من أن الدخان الذي أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرتقبه ، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم ، على ما وصفه 
ابن مسعود  من ذلك إن لم يكن خبر 
حذيفة  الذي ذكرناه عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحا . وإن كان صحيحا ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بما أنزل الله عليه ، وليس لأحد مع قوله الذي يصح عنه قول . 
وإنما لم أشهد له بالصحة ؛ لأن 
محمد بن خلف العسقلاني  حدثني أنه سأل 
روادا  عن هذا الحديث ، هل سمعه من 
سفيان ؟  فقال له : لا ، فقلت له : فقرأته عليه ؟ فقال : لا ، فقلت له : فقرئ عليه وأنت حاضر فأقر به ؟ فقال : لا ، فقلت : فمن أين جئت به ؟ قال : جاءني به قوم فعرضوه علي ، وقالوا لي : اسمعه منا فقرءوه علي ، ثم ذهبوا ، فحدثوا به عني ، أو كما قال . فلما ذكرت من ذلك لم أشهد له بالصحة . وإنما قلت : القول الذي قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  هو أولى بتأويل الآية ؛ لأن الله - جل ثناؤه - توعد بالدخان مشركي 
قريش  وأن قوله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ( 
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) في سياق خطاب الله كفار 
قريش  وتقريعه إياهم بشركهم بقوله ( 
لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون  )  
[ ص: 19 ] ثم أتبع ذلك قوله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - ( 
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين  ) أمرا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه ؛ وتهديدا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدا لهم قد أحله بهم أشبه من أن يكون أخره عنهم لغيرهم . 
وبعد ، فإنه غير منكر أن يكون أحل بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم ، ويكون محلا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا كذلك ؛ لأن الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تظاهرت بأن ذلك كائن ، فإنه قد كان ما روى عنه 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  فكلا الخبرين اللذين رويا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح . 
وإن كان تأويل الآية في هذا الموضع ما قلنا ، فإذ كان الذي قلنا في ذلك أولى التأويلين ، فبين أن معناه : فانتظر يا 
محمد  لمشركي قومك يوم تأتيهم السماء من البلاء الذي يحل بهم على كفرهم بمثل الدخان المبين لمن تأمله أنه دخان . ( 
يغشى الناس  ) : يقول : يغشى أبصارهم من الجهد الذي يصيبهم . ( 
هذا عذاب أليم  ) يعني أنهم يقولون مما نالهم من ذلك الكرب والجهد : هذا عذاب أليم ، وهو الموجع . وترك من الكلام ( يقولون ) استغناء بمعرفة السامعين معناه من ذكرها . 
وقوله ( 
ربنا اكشف عنا العذاب  ) يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد يضرعون إلى ربهم بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد عنهم ، ويقولون : إنك إن كشفته آمنا بك وعبدناك من دون كل معبود سواك ، كما أخبر عنهم - جل ثناؤه - ( 
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون  ) .