صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ( 29 ) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ( 30 ) من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ( 31 ) )

يقول - تعالى ذكره - : فما بكت على هؤلاء الذين غرقهم الله في البحر ، وهم فرعون وقومه ، السماء والأرض ، وقيل : إن بكاء السماء حمرة أطرافها .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، عن الحكم بن ظهير ، عن السدي قال : لما قتل الحسين بن علي رضوان الله عليهما بكت السماء عليه ، وبكاؤها حمرتها .

حدثني علي بن سهل قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) قال : بكاؤها حمرة أطرافها .

وقيل : إنما قيل ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) لأن المؤمن إذا مات ، بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، ولم تبكيا على فرعون وقومه ؛ لأنه [ ص: 34 ] لم يكن لهم عمل يصعد إلى الله صالح ، فتبكي عليهم السماء ، ولا مسجد في الأرض ، فتبكي عليهم الأرض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير قال : أتى ابن عباس رجل ، فقال : يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) فهل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ قال : نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه ، وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، بكى عليه; وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ، ويذكر الله فيها بكت عليه ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير ، قال : فلم تبك عليهم السماء والأرض .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن ويحيى قالا : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : كان يقال : تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس بمثله .

حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد قال : حدثت أن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال : ثنا بكير بن أبي السميط قال : ثنا قتادة ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقول : إن بقاع الأرض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته ، يعني المؤمن . [ ص: 35 ]

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) قال : إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله ، فإذا فقد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يقبل منهم ، فيصعد إلى الله - عز وجل - فقال مجاهد : تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : كان يقال : إن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا .

حدثنا يحيى بن طلحة قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن صفوان بن عمرو ، عن شريح بن عبيد الحضرمي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ، ألا لا غربة على المؤمن ، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض" ، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) ، ثم قال : " إنهما لا يبكيان على الكافر" .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) . . . الآية ، قال : ذلك أنه ليس على الأرض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده ، وإلا بكى عليه من السماء الموضع الذي كان يرفع منه كلامه ، فذلك لأهل معصيته : ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) لأنهما يبكيان على أولياء الله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) . [ ص: 36 ]

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) يقول : لا تبكي السماء والأرض على الكافر ، وتبكي على المؤمن الصالح معالمه من الأرض ومقر عمله من السماء .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) قال : بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات ، وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم ، إنه ليس أحد من الخلق إلا له باب في السماء يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، فإذا مات بكى عليه مكانه من الأرض الذي كان يذكر الله فيه ويصلي فيه ، وبكى عليه بابه الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه . وأما قوم فرعون ، فلم يكن لهم آثار صالحة ، ولم يصعد إلى السماء منهم خير ، فلم تبك عليهم السماء والأرض .

وقوله ( وما كانوا منظرين ) يقول : وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلت بهم ، ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم - عز وجل - عليهم ( ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ) : يقول - تعالى ذكره - : ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب الذي كان فرعون وقومه يعذبونهم به ، المهين يعني المذل لهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ) بقتل أبنائهم ، واستحياء نسائهم . [ ص: 37 ]

وقوله ( من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ) يقول - تعالى ذكره - : ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب من فرعون ، فقوله ( من فرعون ) مكررة على قوله ( من العذاب المهين ) مبدلة من الأولى . ويعني بقوله ( إنه كان عاليا من المسرفين ) إنه كان جبارا مستعليا مستكبرا على ربه ، ( من المسرفين ) يعني : من المتجاوزين ما ليس لهم تجاوزه . وإنما يعني - جل ثناؤه - أنه كان ذا اعتداء في كفره ، واستكبار على ربه - جل ثناؤه - .

التالي السابق


الخدمات العلمية