1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الجاثية
  4. القول في تأويل قوله تعالى " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ( 23 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) فقال بعضهم : معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ دينه بهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه ؛ لأنه لا يؤمن بالله ، ولا يحرم ما حرم ، ولا يحلل ما حلل ، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به . [ ص: 76 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال : ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال : لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيء .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد قال : كانت قريش تعبد العزى ، وهو حجر أبيض ، حينا من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر ، فأنزل الله ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما هوى من شيء دون إله الحق الذي له الألوهة من كل شيء ؛ لأن ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره .

وقوله ( وأضله الله على علم ) يقول - تعالى ذكره - : وخذله عن محجة الطريق ، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي ، ولو جاءته كل آية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( وأضله الله على علم ) يقول : أضله الله في سابق علمه .

وقوله ( وختم على سمعه وقلبه ) يقول - تعالى ذكره - : وطبع على سمعه أن [ ص: 77 ] يسمع مواعظ الله وآي كتابه ، فيعتبر بها ويتدبرها ، ويتفكر فيها ، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهدى .

وقوله ( وقلبه ) يقول : وطبع أيضا على قلبه ، فلا يعقل به شيئا ، ولا يعي به حقا .

وقوله ( وجعل على بصره غشاوة ) يقول : وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله ، فيستدل بها على وحدانيته ، ويعلم بها أن لا إله غيره .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( وجعل على بصره غشاوة ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ( غشاوة ) بكسر الغين وإثبات الألف فيها على أنها اسم ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( غشوة ) بمعنى : أنه غشاه شيئا في دفعة واحدة ، ومرة واحدة ، بفتح الغين بغير ألف ، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله ( فمن يهديه من بعد الله ) يقول - تعالى ذكره - : فمن يوفقه لإصابة الحق ، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه ( أفلا تذكرون ) أيها الناس ، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا ، فلن يهتدي أبدا ، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية