القول في تأويل قوله تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين  ( 9 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - : قل يا 
محمد  لمشركي قومك من 
قريش   ( 
ما كنت بدعا من الرسل  ) يعني : ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه ، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم; يقال منه : هو بدع في هذا الأمر ، وبديع فيه ، إذا كان فيه أول . ومن البدع قول 
عدي بن زيد   .  
[ ص: 98 ] فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجلا عرت من بعد بؤسى وأسعد 
ومن البديع قول 
الأحوص   : 
فخرت فانتمت فقلت انظريني     ليس جهل أتيته ببديع 
يعني بأول ، يقال : هو بدع من قوم أبداع . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
ما كنت بدعا من الرسل  ) يقول : لست بأول الرسل . 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
ما كنت بدعا من الرسل  ) قال : يقول : ما كنت أول رسول أرسل . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  قوله ( 
ما كنت بدعا من الرسل  ) قال : ما كنت أولهم . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
عبد الوهاب بن معاوية  ، عن 
أبي هبيرة  ،  
[ ص: 99 ] قال : سألت 
قتادة   ( 
قل ما كنت بدعا من الرسل  ) قال : أي قد كانت قبلي رسل . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
قل ما كنت بدعا من الرسل  ) يقول : أي أن الرسل قد كانت قبلي . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر ،  عن 
قتادة  في قوله ( 
بدعا من الرسل  ) قال : قد كانت قبله رسل . 
وقوله ( 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : عنى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل له : قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، وإلام نصير هنالك ، قالوا ثم بين الله لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين به حالهم في الآخرة ، فقيل له ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) وقال : ( 
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم  ) . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  ) فأنزل الله بعد هذا ( 
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح  ، عن 
الحسين  ، عن 
يزيد ،  عن 
عكرمة  والحسن البصري  قالا : قال في حم الأحقاف ( 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين  ) فنسختها الآية التي في سورة الفتح ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله  ) . . . الآية ، فخرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت هذه الآية ، فبشرهم بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال له رجال من المؤمنين : هنيئا لك يا نبي الله ، قد علمنا ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله - عز وجل - في سورة  
[ ص: 100 ] الأحزاب ، فقال ( 
وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا  ) وقال ( 
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله  ) . . . الآية ، فبين الله ما يفعل به وبهم . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  ) ثم دري أو علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ما يفعل به ، يقول ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر ،  عن 
قتادة  في قوله ( 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  ) قال : قد بين له أنه قد غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر . 
وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله - جل ثناؤه - نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا ، أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم ، أو يؤمنوا به فيتبعوه ، وأمرهم إلى الهلاك ، كما أهلكت الأمم المكذبة رسلها من قبلهم ، أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح  قال : ثنا 
أبو بكر الهذلي  ، عن 
الحسن  في قوله ( 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  ) فقال : أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل ، ولكن قال : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي أو أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي ، ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم ، أمتي المكذبة ، أم أمتي المصدقة ، أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا ، أم مخسوف بها خسفا ، ثم أوحي إليه : ( 
وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس  ) يقول أحطت لك بالعرب  
[ ص: 101 ] أن لا يقتلوك ، فعرف أنه لا يقتل . 
ثم أنزل الله - عز وجل - : ( 
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا  ) يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الأديان ، ثم قال له في أمته : ( 
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون  ) فأخبره الله ما يصنع به ، وما يصنع بأمته . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما أدري ما يفترض علي وعليكم ، أو ينزل من حكم ، وليس يعني ما أدري ما يفعل بي ولا بكم غدا في المعاد من ثواب الله من أطاعه ، وعقابه من كذبه . 
وقال آخرون : إنما أمر أن يقول هذا في أمر كان ينتظره من قبل الله - عز وجل - في غير الثواب والعقاب . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة وأشبهها بما دل عليه التنزيل ، القول الذي قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  ، الذي رواه عنه 
أبو بكر الهذلي   . 
وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لأن الخطاب من مبتدأ هذه السورة إلى هذه الآية ، والخبر خرج من الله - عز وجل - خطابا للمشركين وخبرا عنهم ، وتوبيخا لهم ، واحتجاجا من الله - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عليهم . 
فإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن هذه الآية أيضا سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم ، وتوبيخ لهم ، أو خبر عنهم . وإذا كان ذلك كذلك ، فمحال أن يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : قل للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، وآيات كتاب الله - عز وجل - في تنزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون ، والمؤمنين به في الجنان منعمون ، وبذلك يرهبهم مرة ، ويرغبهم أخرى ، ولو قال لهم ذلك ، لقالوا له : فعلام نتبعك إذن وأنت لا تدري إلى أي حال تصير غدا في القيامة ، إلى خفض ودعة ، أم إلى شدة وعذاب; وإنما اتباعنا إياك إن اتبعناك ، وتصديقنا بما تدعونا إليه ، رغبة في نعمة وكرامة نصيبها ، أو رهبة من عقوبة وعذاب نهرب منه ، ولكن  
[ ص: 102 ] ذلك كما قال 
الحسن  ، ثم بين الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ما هو فاعل به ، وبمن كذب بما جاء به من قومه وغيرهم . 
وقوله ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي  ) يقول - تعالى ذكره - : قل لهم ما أتبع فيما آمركم به ، وفيما أفعله من فعل إلا وحي الله الذي يوحيه إلي ، ( 
وما أنا إلا نذير مبين  ) يقول : وما أنا لكم إلا نذير ، أنذركم عقاب الله على كفركم به ، مبين : يقول : قد أبان لكم إنذاره ، وأظهر لكم دعاءه إلى ما فيه نصيحتكم ، يقول : فكذلك أنا .