1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الأحقاف
  4. القول في تأويل قوله تعالى " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( 10 ) )

يقول - تعالى ذكره - : قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جاءهم هذا سحر مبين ( أرأيتم ) أيها القوم ( إن كان ) هذا القرآن ( من عند الله ) أنزله علي ( وكفرتم ) أنتم ( به ) يقول : وكذبتم أنتم به .

وقوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وشهد شاهد من بني إسرائيل ، وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله ، يعني على مثل القرآن ، قالوا : ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الوهاب قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق في هذه الآية : ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة ، التوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا محمد بن المثنى قال : ثنا عبد الأعلى قال : سئل داود ، عن قوله : [ ص: 103 ] ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به ) . . . الآية ، قال داود قال عامر قال مسروق : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام ، ما أنزلت إلا بمكة ، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة ، ولكنها خصومة خاصم محمد - صلى الله عليه وسلم - بها قومه ، قال : فنزلت ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ) قال : فالتوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - فآمنوا بالتوراة وبرسولهم ، وكفرتم .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن إدريس قال : سمعت داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : أناس يزعمون أن شاهدا من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام ، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة ; وقد أخبرني مسروق أن آل حم ، إنما نزلت بمكة ، وإنما كانت محاجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه ، فقال : ( أرأيتم إن كان من عند الله ) يعني القرآن ( وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن ) موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام على الفرقان .

حدثني أبو السائب قال : ثنا ابن إدريس ، عن داود ، عن الشعبي قال : إن ناسا يزعمون أن الشاهد على مثله : عبد الله بن سلام ، وأنا أعلم بذلك ، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة ، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة ، وإنما كانت محاجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقومه ، فقال : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ) يعني الفرقان ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) فمثل التوراة الفرقان ، التوراة شهد عليها موسى ، ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم .

حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : أخبرنا داود ، عن الشعبي . عن مسروق في قوله ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ) الآية ، قال : كان إسلام ابن سلام بالمدينة ونزلت هذه السورة بمكة إنما كانت خصومة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين قومه ، فقال : ( نذير مبين قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) قال : التوراة مثل الفرقان ، وموسى مثل محمد ، فآمن به واستكبرتم ، ثم قال : آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه ، واستكبرتم أنتم ، فكذبتم أنتم نبيكم وكتابكم ، ( إن الله لا يهدي ) . . . إلى قوله ( هذا إفك قديم ) .

وقال آخرون : عنى بقوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) عبد الله بن سلام ، قالوا : ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق ، قالوا : ومثل القرآن التوراة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي قال : سمعت مالك بن أنس يحدث عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام; قال : وفيه نزلت ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) .

حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال : ثنا أبو داود الطيالسي قال : ثنا شعيب بن صفوان قال : ثنا عبد الملك بن عمير ، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : قال عبد الله : أنزل في ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ) . . . إلى قوله ( فآمن واستكبرتم ) .

حدثني علي بن سعد بن مسروق الكندي قال : ثنا أبو محمد بن يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال : قال عبد الله بن سلام : نزلت في ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ) . . . الآية ، قال : كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 105 ] فقال : إنا نجده في التوراة ، وكان أفضل رجل منهم ، وأعلمهم بالكتاب ، فخاصمت اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أترضون أن يحكم بيني وبينكم عبد الله بن سلام " ؟ " أتؤمنون" ؟ قالوا : نعم ، فأرسل إلى عبد الله بن سلام ، فقال : " أتشهد أني رسول الله مكتوبا في التوراة والإنجيل ؟" قال : نعم ، فأعرضت اليهود ، وأسلم عبد الله بن سلام ، فهو الذي قال الله - جل ثناؤه - عنه ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ) يقول : فآمن عبد الله بن سلام .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني

الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) قال : عبد الله بن سلام .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ) . . . الآية ، كنا نحدث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله وبرسوله وبالإسلام ، وكان من أحبار اليهود .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) ؟ قال : هو عبد الله بن سلام .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) الشاهد : عبد الله بن سلام ، وكان من الأحبار من علماء بني إسرائيل ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود ، فأتوه ، فسألهم فقال : " أتعلمون أني رسول الله تجدونني مكتوبا عندكم في التوراة" ؟ قالوا : لا نعلم ما تقول ، وإنا بما جئت به كافرون ، فقال : " أي رجل عبد الله بن سلام عندكم" ؟ قالوا : عالمنا وخيرنا ، قال : " أترضون به بيني وبينكم" ؟ قالوا : نعم ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد الله بن سلام ، فجاءه ، فقال : " ما شهادتك يا ابن [ ص: 106 ] سلام" ؟ قال : أشهد أنك رسول الله ، وأن كتابك جاء من عند الله ، فآمن وكفروا ، يقول الله تبارك وتعالى ( فآمن واستكبرتم ) .

حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا عوف ، عن الحسن قال : بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال : يا رسول الله ، قد علمت اليهود أني من علمائهم ، وأن أبي كان من علمائهم ، وإني أشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة ، فأرسل إلى فلان وفلان ، ومن سماه من اليهود ، وأخبئني في بيتك ، وسلهم عني ، وعن أبي ، فإنهم سيحدثونك أني أعلمهم ، وأن أبي من أعلمهم ، وإني سأخرج إليهم ، فأشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة ، وأنك بعثت بالهدى ودين الحق ، قال : ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخبأه في بيته وأرسل إلى اليهود ، فدخلوا عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما عبد الله بن سلام فيكم" ؟ قالوا : أعلمنا نفسا . وأعلمنا أبا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرأيتم إن أسلم تسلمون" ؟ قالوا : لا يسلم ثلاث مرار ، فدعاه فخرج ، ثم قال : أشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة ، وأنك بعثت بالهدى ودين الحق ، فقالت اليهود : ما كنا نخشاك على هذا يا عبد الله بن سلام قال : فخرجوا كفارا ، فأنزل الله - عز وجل - في ذلك ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ) .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ) قال : هذا عبد الله بن سلام ، شهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتابه حق ، وهو في التوراة حق ، فآمن واستكبرتم .

حدثني أبو شرحبيل الحمصي قال : ثنا أبو المغيرة قال : ثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك [ ص: 107 ] الأشجعي قال : انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه ، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا هو ، وأن محمدا رسول الله ، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه" قال : فأسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم ثلث فلم يجبه أحد ، فانصرف وأنا معه ، حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد ، قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود ، قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ، ولا من أبيك ، ولا من جدك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد بالله أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تجدونه في التوراة والإنجيل ، قالوا كذبت ، ثم ردوا عليه قوله وقالوا له شرا ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كذبتم لن نقبل قولكم ، أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، وأما إذ آمن كذبتموه وقلتم ما قلتم ، فلن نقبل قولكم" ، قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ، وعبد الله بن سلام ، فأنزل الله فيه : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ) . . . الآية .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل ، لأن قوله ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) في سياق توبيخ الله - تعالى ذكره - مشركي قريش ، واحتجاجا عليهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها ، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر ، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت ، ولا دل على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل ، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن ، والسبب الذي فيه نزل ، وما أريد به .

فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك ، وشهد عبد الله بن سلام ، وهو الشاهد من بني [ ص: 108 ] إسرائيل على مثله ، يعني على مثل القرآن ، وهو التوراة ، وذلك شهادته أن محمدا مكتوب في التوراة أنه نبي تجده اليهود مكتوبا عندهم في التوراة ، كما هو مكتوب في القرآن أنه نبي .

وقوله ( فآمن واستكبرتم ) يقول : فآمن عبد الله بن سلام ، وصدق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من عند الله ، واستكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) يقول : إن الله لا يوفق لإصابة الحق ، وهدى الطريق المستقيم القوم الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بإيجابهم لها سخط الله بكفرهم به .

التالي السابق


الخدمات العلمية