القول في تأويل قوله تعالى : ( 
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم  ( 17 ) 
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم  ( 18 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد ، فإن ما تلوته عليهم ، وسمعوه منك ( 
زادهم هدى  ) يقول : زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم ، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم . وقد ذكر أن الذي تلا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القرآن ، فقال أهل النفاق منهم لأهل الإيمان ، ماذا قال آنفا ، وزاد الله أهل الهدى منهم هدى ، كان بعض ما أنزل الله من القرآن ينسخ بعض ما قد كان الحكم مضى به قبل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني  
[ ص: 171 ] أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم  ) قال : لما أنزل الله القرآن آمنوا به ، فكان هدى ، فلما تبين الناسخ والمنسوخ زادهم هدى  . 
وقوله ( 
وآتاهم تقواهم  ) يقول - تعالى ذكره - : وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم ، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه . 
وقوله ( 
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها  ) يقول - تعالى ذكره - : فهل ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها ، والمعنى : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة . و ( أن ) من قوله ( إلا أن ) في موضع نصب بالرد على الساعة ، وعلى فتح الألف من ( أن تأتيهم ) ونصب ( تأتيهم ) بها قراءة أهل الكوفة . 
وقد حدثت عن 
الفراء  قال : حدثني 
أبو جعفر الرؤاسي  قال : قلت 
 nindex.php?page=showalam&ids=12114لأبي عمرو بن العلاء   : ما هذه الفاء التي في قوله ( 
فقد جاء أشراطها  ) قال : جواب الجزاء ، قال : قلت : إنها إن تأتيهم ، قال : فقال : معاذ الله ، إنما هي " إن تأتهم " ; قال 
الفراء   : فظننت أنه أخذها عن أهل 
مكة  ، لأنه قرأ ، قال 
الفراء   : وهي أيضا في بعض مصاحف الكوفيين بسنة واحدة " تأتهم" ولم يقرأ بها أحد منهم . 
وتأويل الكلام على قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف " إن" وجزم " تأتهم" فهل ينظرون إلا الساعة ؟ فيجعل الخبر عن انتظار هؤلاء الكفار الساعة متناهيا عند قوله ( إلا الساعة ) ، ثم يبتدأ الكلام فيقال : إن تأتهم الساعة بغتة فقد جاء أشراطها ، فتكون الفاء من قوله ( فقد جاء ) بجواب الجزاء . 
وقوله ( 
فقد جاء أشراطها  ) يقول : فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدماتها ، وواحد الأشراط : شرط ، كما قال 
جرير   :  
[ ص: 172 ] ترى شرط المعزى مهور نسائهم وفي شرط المعزى لهن مهور 
ويروى : " ترى قزم المعزى" ، يقال منه : أشرط فلان نفسه : إذا علمها بعلامة ، كما قال 
أوس بن حجر   : 
فأشرط فيها نفسه وهو معصم     وألقى بأسباب له وتوكلا 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   ( 
فقد جاء أشراطها  ) يعني : أشراط الساعة . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة  ) قد دنت الساعة ودنا من الله فراغ العباد . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله ( 
فقد جاء أشراطها  ) قال : أشراطها : آياتها .  
[ ص: 173 ] 
وقوله ( 
فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم  ) يقول - تعالى ذكره - : فمن أي وجه لهؤلاء المكذبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيعوا وفرطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة ، يقول : ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم ، لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم  ) يقول : إذا جاءتهم الساعة أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا ؟  . 
حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   ( 
فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم  ) قال : أنى لهم أن يتذكروا أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله ( 
فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم  ) قال : الساعة ، لا ينفعهم عند الساعة ذكراهم ، والذكرى في موضع رفع بقوله ( فأنى لهم ) لأن تأويل الكلام : فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة .