القول في تأويل قوله تعالى : ( 
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها  ( 24 ) 
إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم  ( 25 ) )  
[ ص: 179 ] 
يقول - تعالى ذكره - : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكرون في حججه التي بينها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون ( 
أم على قلوب أقفالها  ) يقول : أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها  ) إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله ، لو تدبره القوم فعقلوه ، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك . 
حدثنا 
إسماعيل بن حفص الأيلي  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن يزيد ،  عن 
خالد بن معدان  قال : ما من آدمي إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وما يصلحه من معيشته ، وعينان في قلبه لدينه ، وما وعد الله من الغيب ، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ، وإذا أراد الله به غير ذلك طمس عليهما ، فذلك قوله ( 
أم على قلوب أقفالها  ) . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن يزيد  قال : ثنا 
خالد بن معدان  قال : ما من الناس أحد إلا وله أربع أعين ، عينان في وجهه لمعيشته ، وعينان في قلبه ، وما من أحد إلا وله شيطان متبطن فقار ظهره ، عاطف عنقه على عنقه ، فاغر فاه إلى ثمرة قلبه ، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ما وعد الله من الغيب ، فعمل به ، وهما غيب ،  
[ ص: 180 ] فعمل بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد شرا تركه ، ثم قرأ ( 
أم على قلوب أقفالها  )  . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
الحكم  قال : ثنا 
عمرو ،  عن 
ثور  ، عن 
خالد بن معدان  بنحوه ، إلا أنه قال : ترك القلب على ما فيه . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  قال : ثنا 
حماد بن زيد  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ،  عن أبيه قال : " 
تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها  ) فقال شاب من أهل اليمن   : بل عليها أقفالها حتى يكون الله - عز وجل - يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر  رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به  " . 
وقوله ( 
إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى  ) يقول الله - عز وجل - إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا بالله من بعد ما تبين لهم الحق وقصد السبيل ، فعرفوا واضح الحجة ، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادا لأمر الله - تعالى ذكره - من بعد العلم . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى  ) هم أعداء الله أهل الكتاب ، يعرفون بعث 
محمد  نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عندهم ، ثم يكفرون به . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   ( 
من بعد ما تبين لهم الهدى  ) إنهم يجدونه مكتوبا عندهم . 
وقال آخرون : عنى بذلك أهل النفاق . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله ( 
إن الذين ارتدوا على أدبارهم  ) . . . إلى قوله ( 
فأحبط أعمالهم  ) هم أهل النفاق .  
[ ص: 181 ] 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
إن الذين ارتدوا على أدبارهم  ) . . . إلى ( إسرارهم ) هم أهل النفاق . وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا أشبه منها بصفة أهل الكتاب ، وذلك أن الله - عز وجل - أخبر أن ردتهم كانت بقيلهم ( 
للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر  ) ولو كانت من صفة أهل الكتاب ، لكان في وصفهم بتكذيب 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدوا من أجل قيلهم ما قالوا . 
وقوله ( 
الشيطان سول لهم وأملى لهم  ) يقول - تعالى ذكره - : الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم ، من بعد ما تبين لهم الهدى . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   ( 
الشيطان سول لهم وأملى لهم  ) يقول : زين لهم . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
سول لهم  ) يقول : زين لهم . 
وقوله ( 
وأملى لهم  ) يقول : ومد الله لهم في آجالهم ملاوة من الدهر ، ومعنى الكلام : الشيطان سول لهم ، والله أملى لهم . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء 
الحجاز  والكوفة   ( 
وأملى لهم  ) بفتح الألف منها بمعنى : وأملى الله لهم . وقرأ ذلك بعض 
أهل المدينة  والبصرة    ( وأملي لهم ) على وجه ما لم يسم فاعله . وقرأ 
مجاهد  فيما ذكر عنه ( وأملي ) بضم الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله - جل ثناؤه - عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم . 
وأولى هذه القراءات بالصواب ، التي عليها عامة قراء 
الحجاز  والكوفة  من  
[ ص: 182 ] فتح الألف في ذلك ؛ لأنها القراءة المستفيضة في قراءة الأمصار ، وإن كان يجمعها مذهب تتقارب معانيها فيه .