1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة محمد
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم"
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ( 31 ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم ( 32 ) )

يقول - تعالى ذكره - لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ولنبلونكم ) أيها المؤمنون بالقتل ، وجهاد أعداء الله ( حتى نعلم المجاهدين منكم ) يقول : حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم ، وأهل الصبر على قتال أعدائه ، فيظهر ذلك لهم ، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه ، وأهل الإيمان من أهل النفاق ، ونبلو أخباركم ، فنعرف الصادق منكم من الكاذب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) ، وقوله ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) ونحو هذا ، قال : أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر ، وبشرهم فقال : ( وبشر الصابرين ) ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه ، وصفوته لتطيب أنفسهم ، [ ص: 186 ] فقال : ( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) فالبأساء : الفقر ، والضراء : السقم ، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) قال : نختبركم البلوى : الاختبار . وقرأ ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) قال : لا يختبرون ( ولقد فتنا الذين من قبلهم ) . . . الآية .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ، فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار بالنون ( نبلو ) و ( نعلم ) ، ونبلو على وجه الخبر من الله جل جلاله عن نفسه ، سوى عاصم فإنه قرأ جميع ذلك بالياء ، والنون هي القراءة عندنا لإجماع الحجة من القراء عليها ، وإن كان للأخرى وجه صحيح .

وقوله ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) يقول - تعالى ذكره - : إن الذين جحدوا توحيد الله ، وصدوا الناس عن دينه الذي ابتعث به رسله ( وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ) يقول : وخالفوا رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فحاربوه وآذوه من بعد ما علموا أنه نبي مبعوث ، ورسول مرسل ، وعرفوا الطريق الواضح بمعرفته ، وأنه لله رسول .

وقوله ( لن يضروا الله شيئا ) لأن الله بالغ أمره ، وناصر رسوله ، ومظهره على من عاداه وخالفه ( وسيحبط أعمالهم ) يقول : وسيذهب أعمالهم التي عملوها في الدنيا فلا ينفعهم بها في الدنيا ولا الآخرة ، ويبطلها إلا مما يضرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية