1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة محمد
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ( 38 ) )

يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين : ( ها أنتم ) أيها الناس ( هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ) يقول : تدعون إلى النفقة في جهاد أعداء الله ونصرة دينه ( فمنكم من يبخل ) بالنفقة فيه ، وأدخلت " ها" في موضعين ؛ لأن العرب إذا أرادت التقريب جعلت المكنى بين " ها" وبين " ذا" ، فقالت : ها أنت ذا قائما ؛ لأن التقريب جواب الكلام ، فربما أعادت " ها" مع " ذا" ، وربما اجتزأت بالأولى ، وقد حذفت الثانية ، ولا يقدمون أنتم قبل " ها" ، لأن ها [ ص: 192 ] جواب فلا تقرب بها بعد الكلمة .

وقال بعض نحويي البصرة : جعل التنبيه في موضعين للتوكيد .

وقوله ( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) يقول - تعالى ذكره - : ومن يبخل بالنفقة في سبيل الله ، فإنما يبخل عن بخل نفسه ؛ لأن نفسه لو كانت جوادا لم تبخل بالنفقة في سبيل الله ، ولكن كانت تجود بها ( والله الغني وأنتم الفقراء ) يقول - تعالى ذكره - : ولا حاجة لله أيها الناس إلى أموالكم ولا نفقاتكم ؛ لأنه الغني عن خلقه ، والخلق الفقراء إليه ، وأنتم من خلقه ، فأنتم الفقراء إليه ، وإنما حضكم على النفقة في سبيله ، ليكسبكم بذلك الجزيل من ثوابه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ) قال : ليس بالله - تعالى ذكره - إليكم حاجة وأنتم أحوج إليه .

وقوله - تعالى ذكره - : ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) يقول - تعالى ذكره - : وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذي جاءكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - فترتدوا راجعين عنه ( يستبدل قوما غيركم ) يقول : يهلككم ثم يجيء بقوم آخرين غيركم بدلا منكم يصدقون به ، ويعملون بشرائعه ( ثم لا يكونوا أمثالكم ) يقول : ثم لا يبخلوا بما أمروا به من النفقة في سبيل الله ، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم ، ولكنهم يقومون بذلك كله على ما يؤمرون به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 193 ] ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) يقول : إن توليتم عن كتابي وطاعتي أستبدل قوما غيركم ، قادر والله ربنا على ذلك على أن يهلكهم ، ويأتي من بعدهم من هو خير منهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) قال : إن تولوا عن طاعة الله .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) .

وذكر أنه عنى بقوله ( يستبدل قوما غيركم ) : العجم من عجم فارس .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بزيع البغدادي أبو سعيد قال : ثنا إسحاق بن منصور ، عن مسلم بن خالد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : " لما نزلت ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) كان سلمان إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استبدلوا بنا ؟ قال : فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - على منكب سلمان ، فقال : من هذا وقومه ، والذي نفسي بيده لو أن الدين تعلق بالثريا لنالته رجال من أهل فارس " .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مسلم بن خالد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا ، فضرب على فخذ سلمان قال : هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " . [ ص: 194 ]

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : ثنا عبد الله بن الوليد العدني قال : ثنا مسلم بن خالد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : " نزلت هذه الآية وسلمان الفارسي إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحك ركبته ركبته ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) قالوا : يا رسول الله ومن الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ قال : فضرب فخذ سلمان ثم قال : هذا وقومه " .

وقال : مجاهد في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( يستبدل قوما غيركم ) من شاء .

وقال آخرون : هم أهل اليمن .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عوف الطائي قال : ثنا أبو المغيرة قال : ثنا صفوان بن عمرو قال : ثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد في قوله ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) قال : أهل اليمن .

آخر تفسير سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية