صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 8 ) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ( 9 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ( إنا أرسلناك ) يا محمد ( شاهدا ) على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه ، مما أرسلتك به إليهم من الرسالة ، ومبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم ، ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولوا عما جئتهم به من عند ربك .

ثم اختلفت القراء في قراءة قوله ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه ) فقرأ جميع ذلك عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي [ ص: 207 ] عمرو بن العلاء بالتاء ( لتؤمنوا - وتعزروه - وتوقروه - وتسبحوه ) بمعنى : لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس ، وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء ( ليؤمنوا - ويعزروه - ويوقروه - ويسبحوه ) بمعنى إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) يقول : شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله ، ونذيرا من النار .

وقوله ( وتعزروه وتوقروه ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : تجلوه ، وتعظموه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وتعزروه ) يعني : الإجلال ( وتوقروه ) يعني : التعظيم .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وتعزروه وتوقروه ) كل هذا تعظيم وإجلال .

وقال آخرون : معنى قوله ( ويعزروه ) : وينصروه ، ومعنى ( ويوقروه ) ويفخموه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويعزروه ) : [ ص: 208 ] ينصروه ( ويوقروه ) ) أمر الله بتسويده وتفخيمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( ويعزروه ) قال : ينصروه ، ويوقروه : أي ليعظموه .

حدثني أبو هريرة الضبعي قال : ثنا حرمي ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن عكرمة ( ويعزروه ) قال : يقاتلون معه بالسيف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثني هشيم ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، مثله .

حدثني أحمد بن الوليد قال : ثنا عثمان بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، بنحوه .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، قالا ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : ويعظموه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ويعزروه ويوقروه ) قال : الطاعة لله .

وهذه الأقوال متقاربات المعنى ، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها . ومعنى التعزير في هذا الموضع : التقوية بالنصرة والمعونة ، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال .

وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

فأما التوقير : فهو التعظيم والإجلال والتفخيم .

وقوله ( وتسبحوه بكرة وأصيلا ) يقول : وتصلوا له يعني لله بالغدوات [ ص: 209 ] والعشيات .

والهاء في قوله ( وتسبحوه ) من ذكر الله وحده دون الرسول . وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات : ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتسبحوه بكرة وأصيلا ) في بعض القراءة ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في بعض الحروف ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ويسبحوه بكرة وأصيلا ) يقول : يسبحون الله رجع إلى نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية