1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الفتح
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم "
صفحة جزء
[ ص: 236 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ( 24 ) )

يقول - تعالى ذكره - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : والذين بايعوا بيعة الرضوان : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم ) يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتي بهم أسرى ، فخلى عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن عليهم ولم يقتلهم فقال الله للمؤمنين : وهو الذي كف أيدي هؤلاء المشركين عنكم ، وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا الحسين بن واقد قال : ثني ثابت البناني ، عن عبد الله بن مغفل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا في أصل شجرة بالحديبية ، وعلى ظهره غصن من أغصان الشجرة فرفعتها عن ظهره ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بين يديه وسهيل بن عمرو ، وهو صاحب المشركين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فأمسك سهيل بيده ، فقال : ما نعرف الرحمن ، اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اكتب باسمك اللهم ، فكتب ، فقال : هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة ، فأمسك سهيل بيده ، فقال : لقد ظلمناك إن كنت رسولا ، اكتب في قضيتنا ما نعرف قال : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأنا رسول الله ، فخرج علينا ثلاثون شابا [ ص: 237 ] عليهم السلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله بأبصارهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل خرجتم في أمان أحد ، قال : فخلى عنهم ، قال : فأنزل الله ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ) .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن ثابت ، عن عبد الله بن مغفل قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن ، وكان غصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - فرفعته عن ظهره ، ثم ذكر نحو حديث محمد بن علي ، عن أبيه .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : ثني من لا أتهم - عن عكرمة مولى ابن عباس ، أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصيبوا من أصحابه أحدا ، فأخذوا أخذا ، فأتي بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعفا عنهم ، وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجارة والنبل . قال ابن حميد ، قال سلمة قال ابن إسحاق : ففي ذلك قال ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) . . . الآية .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أقبل معتمرا نبي الله ، فأخذ أصحابه ناسا من أهل الحرم غافلين ، فأرسلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك الإظفار ببطن مكة .

حدثنا محمد بن سنان القزاز قال : ثنا عبيد الله ابن عائشة قال : ثنا [ ص: 238 ] حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهل مكة ، هبطوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم ، فأخذهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقهم ، فأنزل الله ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) . . . إلى آخر الآية .

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا به بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) . . . الآية ، قال : بطن مكة الحديبية . . . يقال له رهم اطلع الثنية من الحديبية ، فرماه المشركون بسهم فقتلوه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلا فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار ، فقال لهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ قالوا : لا ، فأرسلهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) . . . إلى قوله ( بما تعملون بصيرا ) .

وقال آخرون في ذلك : ما حدثنا به ابن حميد قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن أبزى قال : لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهدي ، وانتهى إلى ذي الحليفة ، قال له عمر : يا نبي الله ، تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع ، قال : فبعث إلى المدينة فلم يدع بها كراعا ولا سلاحا إلا حمله; فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل ، فسار حتى أتى منى ، فنزل بمنى ، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج علينا في خمسمائة ، فقال لخالد بن الوليد : يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل ، فقال خالد : أنا سيف الله وسيف رسوله ، فيومئذ سمي سيف الله ، يا رسول الله ، ارم بي حيث شئت ، فبعثه على خيل ، فلقيعكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان [ ص: 239 ] مكة ، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثالثة حتى أدخله حيطان مكة ، فأنزل الله ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) . . . إلى قوله ( عذابا أليما ) قال : فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم .

وقوله ( وكان الله بما تعملون بصيرا ) يقول - تعالى ذكره - : وكان الله بأعمالكم وأعمالهم بصيرا لا يخفى عليه منها شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية