1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الفتح
  4. القول في تأويل قوله تعالى " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ( 27 ) ) [ ص: 257 ]

يقول - تعالى ذكره - : لقد صدق الله رسوله محمدا رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين ، لا يخافون أهل الشرك ، مقصرا بعضهم رأسه ، ومحلقا بعضهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) قال هو دخول محمد - صلى الله عليه وسلم - البيت والمؤمنون ، محلقين رءوسهم ومقصرين .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( الرؤيا بالحق ) قال : أري بالحديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين ، فقال أصحابه حين نحر بالحديبية : أين رؤيا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟

حدثنا بشر ، قال ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يطوف بالبيت وأصحابه ، فصدق الله رؤياه ، فقال ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) . . . حتى بلغ ( لا تخافون ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) قال : أري في المنام أنهم يدخلون [ ص: 258 ] المسجد الحرام ، وأنهم آمنون محلقين رءوسهم ومقصرين .

حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) . . إلى آخر الآية . قال : قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رءوسكم ومقصرين " فلما نزل بالحديبية ولم يدخل ذلك العام طعن المنافقون في ذلك ، فقالوا : أين رؤياه ؟ فقال الله ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) فقرأ حتى بلغ ( ومقصرين لا تخافون ) إني لم أره يدخلها هذا العام ، وليكونن ذلك " .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) . . . إلى قوله ( إن شاء الله آمنين ) لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أريها أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ، يقول : محلقين ومقصرين لا تخافون .

وقوله ( فعلم ما لم تعلموا ) يقول - تعالى ذكره - : فعلم الله - جل ثناؤه - ما لم تعلموا ، وذلك علمه - تعالى ذكره - بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين ، الذين لم يعلمهم المؤمنون ، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرجل ، فأصابتهم منهم معرة بغير علم ، فردهم الله عن مكة من أجل ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فعلم ما لم تعلموا ) قال : رده لمكان من بين أظهرهم من المؤمنين والمؤمنات ، وأخره ليدخل الله في رحمته من يشاء من يريد أن يهديه .

وقوله ( فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) اختلف أهل التأويل في الفتح القريب ، الذي جعله الله للمؤمنين دون دخولهم المسجد الحرام محلقين رءوسهم [ ص: 259 ] ومقصرين ، فقال بعضهم : هو الصلح الذي جرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين مشركي قريش .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( من دون ذلك فتحا قريبا ) قال : النحر بالحديبية ، ورجعوا فافتتحوا خيبر ، ثم اعتمر بعد ذلك ، فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري قوله ( فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) يعني : صلح الحديبية ، وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس; فلما كانت الهدنة وضعت الحرب ، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا ، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) قال : صلح الحديبية .

وقال آخرون : عنى بالفتح القريب في هذا الموضع فتح خيبر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) قال : خيبر حين رجعوا من الحديبية ، فتحها الله عليهم ، فقسمها على أهل الحديبية كلهم إلا رجلا واحدا من الأنصار ، يقال له : أبو دجانة سماك بن خرشة ، كان قد شهد الحديبية وغاب عن خيبر .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه جعل لرسوله والذين كانوا معه من أهل بيعة الرضوان فتحا قريبا من دون دخولهم المسجد [ ص: 260 ] الحرام ، ودون تصديقه رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان صلح الحديبية وفتح خيبر دون ذلك ، ولم يخصص الله - تعالى ذكره - خبره ذلك عن فتح من ذلك دون فتح ، بل عم ذلك ، وذلك كله فتح جعله الله من دون ذلك .

والصواب أن يعمه كما عمه ، فيقال : جعل الله من دون تصديقه رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدخوله وأصحابه المسجد الحرام محلقين رءوسهم ومقصرين ، لا يخافون المشركين صلح الحديبية وفتح خيبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية