القول في تأويل قوله تعالى : ( 
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون  ( 4 ) 
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم  ( 5 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - : إن الذين ينادونك يا 
محمد  من وراء حجراتك ، والحجرات : جمع حجرة ، والثلاث حجر ، ثم تجمع الحجر فيقال : حجرات وحجرات ، وقد تجمع بعض العرب الحجر :  
[ ص: 283 ] حجرات بفتح الجيم ، وكذلك كل جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فعل يجمعونه على فعلات بفتح ثانيه ، والرفع أفصح وأجود; ومنه قول الشاعر : 
أما كان عباد كفيئا لدارم بلى ، ولأبيات بها الحجرات 
يقول : بلى ولبني هاشم . 
وقوله ( 
أكثرهم لا يعقلون  ) يقول : أكثرهم جهال بدين الله ، واللازم لهم من حقك وتعظيمك . 
وذكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاءوا 
ينادون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء حجراته : يا محمد اخرج إلينا  . 
ذكر الرواية بذلك : 
حدثنا 
أبو عمار المروزي  ، 
والحسن بن الحارث  قالا ثنا 
الفضل بن موسى ،  عن 
الحسين بن واقد  ، عن 
أبي إسحاق  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811005عن البراء  في قوله ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات  ) قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد  إن حمدي زين ، وإن ذمي شين ، فقال : " ذاك الله تبارك وتعالى" . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح  قال : ثنا 
الحسين ،  عن 
أبي إسحاق  ، عن 
البراء  بمثله ، إلا أنه قال : ذاكم الله - عز وجل - .  
[ ص: 284 ] 
حدثنا 
الحسن بن عرفة  قال : ثنا 
المعتمر بن سليمان التيمي  قال : سمعت 
داود الطفاوي  يقول : سمعت 
أبا مسلم البجلي  يحدث عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812557جاء أناس من العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكا نعش في جناحه; قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك ، قال : ثم جاءوا إلى حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا ينادونه . يا محمد ،  فأنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون  ) قال : فأخذ نبي الله بأذني فمدها ، فجعل يقول : " قد صدق الله قولك يا زيد  ، قد صدق الله قولك يا زيد   " . 
حدثنا 
الحسن بن أبي يحيى المقدمي  قال : ثنا 
عفان  قال : ثنا 
وهيب  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة  ، عن 
أبي سلمة  قال : 
ثني الأقرع بن حابس التميمي  أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداه ، فقال : يا محمد  إن مدحي زين ، وإن شتمي شين; فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ويلك ذلك الله ، فأنزل الله ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات  )  . . . الآية . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  قوله ( 
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات  ) : أعراب 
بني تميم .  
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812559أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداه من وراء الحجر ، فقال : يا محمد  إن مدحي زين ، وإن شتمي شين; فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ويلك ذلك الله ، فأنزل الله ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون  )  . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن قتادة  قوله ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات  ) . . . الآية ، ذكر لنا أن رجلا جعل ينادي يا  [ ص: 285 ] نبي الله يا محمد  ، فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما شأنك ؟ فقال : والله إن حمده لزين ، وإن ذمه لشين ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : ذاكم الله ، فأدبر الرجل ، وذكر لنا أن الرجل كان شاعرا . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان  ، عن 
حبيب بن أبي عمرة  قال : كان 
بشر بن غالب  ولبيد بن عطارد  ، أو 
بشر بن عطارد  ولبيد بن غالب ،  وهما عند الحجاج جالسان ، يقول 
بشر بن غالب  للبيد بن عطارد  نزلت في قومك 
بني تميم   ( 
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات  ) فذكرت ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992لسعيد بن جبير  ، فقال : أما إنه لو علم بآخر الآية ، أجابه ( 
يمنون عليك أن أسلموا  ) قالوا : أسلمنا ، ولم يقاتلك 
بنو أسد   . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
المبارك بن فضالة  ، عن 
الحسن  قال : " 
أتى أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من وراء حجراته ، فقال : يا محمد  ، يا محمد   ; فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما لك ؟ ما لك ؟ فقال : تعلم أن مدحي لزين ، وأن ذمي لشين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ذاكم الله ، فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي  ) "  . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( 
من وراء الحجرات  ) فقرأته قراء الأمصار بضم الحاء والجيم من الحجرات ، سوى 
أبي جعفر القارئ  ، فإنه قرأ بضم الحاء وفتح الجيم على ما وصفت من جمع الحجرة حجر ، ثم جمع الحجر : حجرات" . 
والصواب من القراءة عندنا الضم في الحرفين كليهما لما وصفت قبل . 
وقوله ( 
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم  ) يقول - تعالى ذكره - : ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت ، لكان خيرا لهم عند الله ، لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك ، فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه ،  
[ ص: 286 ]  ( والله غفور رحيم ) يقول - تعالى ذكره - : الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب ، إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك ، وراجع أمر الله في ذلك ، وفي غيره; رحيم به أن يعاقبه على ذنبه ذلك من بعد توبته منه .