1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الحجرات
  4. القول في تأويل قوله تعالى" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( 13 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران قال : ثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قوله ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول ( خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

وقوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا ، فالمناسب [ ص: 310 ] النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أي شعب أنت؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشعب قول ابن أحمر الباهلي :


من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا



وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو بكر بن عياش قال : ثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع والقبائل : البطون .

حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع . قال خلاد قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن عطية قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ . [ ص: 311 ]

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( شعوبا ) قال : النسب البعيد . ( وقبائل ) دون ذلك .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة . ( وجعلناكم شعوبا ) قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وجعلناكم شعوبا ) قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .

وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .

وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .

وقال آخرون : الشعوب : الأنساب . [ ص: 312 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأنساب .

وقوله ( لتعارفوا ) يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول - تعالى ذكره - : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وقبائل لتعارفوا ) قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .

وقوله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) يقول - تعالى ذكره - : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الناس لآدم وحواء كطف الصاع لم يملأوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن [ ص: 313 ] الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد ، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملأوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا " .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية ، عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس : " ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا; وقال عطاء : نسيت الثالثة " .

وقوله ( إن الله عليم خبير ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية