صفحة جزء
[ ص: 346 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ( 19 ) ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ( 20 ) )

وفي قوله ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وجهان من التأويل ، أحدهما : وجاءت سكرة الموت وهي شدته‌ وغلبته على فهم الإنسان ، كالسكرة من النوم أو الشراب‌ - ‌‌‌بالحق من أمر الآخرة - فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه . والثاني : وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت .

وقد ذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقرأ ( وجاءت سكرة الحق بالموت ) .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا محمد بن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن واصل ، عن أبي وائل قال : لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي ، قالت عائشة رضي الله عنها هذا ، كما قال الشاعر :


إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر



فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا تقولي ذلك ، ولكنه كما قال الله عز وجل : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) . وقد ذكر أن [ ص: 347 ] ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان :

أحدهما : وجاءت سكرة الله بالموت ، فيكون الحق هو الله - تعالى ذكره - . والثاني : أن تكون السكرة هي الموت أضيفت إلى نفسها ، كما قيل : ( إن هذا لهو حق اليقين ) . ويكون تأويل الكلام : وجاءت السكرة الحق بالموت .

وقوله ( ذلك ما كنت منه تحيد ) يقول : هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحق هو الشيء الذي كنت تهرب منه ، وعنه تروغ .

وقوله ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) قد تقدم بياننا عن معنى الصور ، وكيف النفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين . والذي هو أولى الأقوال عندنا فيه بالصواب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله ( ذلك يوم الوعيد ) يقول : هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذبهم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية