القول في 
تأويل قوله تعالى : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ( 21 ) 
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد  ( 22 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وجاءت يوم ينفخ في الصور كل نفس ربها ، معها سائق يسوقها إلى الله ، وشهيد يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير أو شر . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
مهران  ، عن 
إسماعيل بن أبي خالد  ، عن  
[ ص: 348 ] يحيى بن رافع مولى لثقيف  قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان  رضي الله عنه يخطب ، فقرأ هذه الآية ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) قال : سائق يسوقها إلى الله ، وشاهد يشهد عليها بما عملت . 
قال : ثنا 
حكام  ، عن 
إسماعيل  ، عن 
أبي عيسى  قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان  رضي الله عنه يخطب ، فقرأ هذه الآية ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) قال : السائق يسوقها إلى أمر الله ، والشهيد يشهد عليها بما عملت . 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) قال : السائق من الملائكة ، والشهيد : شاهد عليه من نفسه . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
سفيان  ، عن 
مهران  ، عن 
خصيف  ، عن 
مجاهد   ( 
سائق وشهيد  ) سائق يسوقها إلى أمر الله ، وشاهد يشهد عليها بما عملت . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   ( 
سائق وشهيد  ) سائق يسوقها إلى أمر الله ، وشاهد يشهد عليها بما عملت . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  في قول الله ( 
سائق وشهيد  ) قال : الملكان : كاتب ، وشهيد . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) قال : سائق يسوقها إلى ربها ، وشاهد يشهد عليها بعملها . 
حدثنا 
ابن بشار  قال : ثنا 
سليمان بن حرب  قال : ثنا 
أبو هلال  ،  
[ ص: 349 ] قال : ثنا 
قتادة  في قوله ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) قال : سائق يسوقها إلى حسابها ، وشاهد يشهد عليها بما عملت . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
الحسن   ( 
معها سائق وشهيد  ) قال : سائق يسوقها ، وشاهد يشهد عليها بعملها . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
مهران  ، عن 
أبي جعفر  ، عن 
الربيع بن أنس   ( 
سائق وشهيد  ) قال : سائق يسوقها ، وشاهد يشهد عليها بعملها . 
وحدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) السائق من الملائكة ، والشاهد من أنفسهم : الأيدي والأرجل ، والملائكة أيضا شهداء عليهم . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله ( 
سائق وشهيد  ) قال : ملك وكل به يحصي عليه عمله ، وملك يسوقه إلى محشره حتى يوافي محشره يوم القيامة . 
واختلف أهل التأويل في المعنى بهذه الآيات ; فقال بعضهم : عنى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال بعضهم : عنى أهل الشرك ، وقال بعضهم : عنى بها كل أحد . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : ثني 
يعقوب بن عبد الرحمن الزهري  قال : سألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ،  عن قول الله ( 
وجاءت سكرة الموت بالحق  ) . . . الآية ، إلى قوله ( 
سائق وشهيد  ) ، فقلت له : من يراد بهذا؟ فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت له : رسول الله ؟! فقال : ما تنكر ؟ قال الله عز وجل : ( 
ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى  ) قال : ثم سألت 
صالح بن كيسان  عنها ، فقال لي : هل سألت أحدا؟ فقلت : نعم ،  
[ ص: 350 ] قد سألت عنها 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ،  فقال : ما قال لك؟ فقلت : بل تخبرني ما تقول ، فقال : لأخبرنك برأيي الذي عليه رأيي ، فأخبرني ما قال لك؟ قلت : قال : يراد بهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : وما علم زيد ؟ والله ما سن عالية ، ولا لسان فصيح ، ولا معرفة بكلام العرب ، إنما يراد بهذا الكافر ، ثم قال : اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك ، قال : ثم سألت 
حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس  ، فقال لي مثل ما قال صالح : هل سألت أحدا فأخبرني به؟ قلت : إني قد سألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم   nindex.php?page=showalam&ids=16214وصالح بن كيسان  ، فقال لي : ما قالا لك؟ قلت : بل تخبرني بقولك ، قال : لأخبرنك بقولي ، فأخبرته بالذي قالا لي ، قال : أخالفهما جميعا ، يريد بها البر والفاجر ، قال الله : ( 
وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد  - 
فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد  ) قال : فانكشف الغطاء عن البر والفاجر ، فرأى كل ما يصير إليه . 
حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله ( 
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد  ) يعني المشركين . 
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عنى بها البر والفاجر ، لأن الله أتبع هذه الآيات قوله ( 
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه  ) والإنسان في هذا الموضع بمعنى : الناس كلهم ، غير مخصوص منهم بعضا دون بعض . فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أن معنى قوله ( 
وجاءت سكرة الموت بالحق  ) وجاءتك أيها الإنسان سكرة الموت بالحق ( 
ذلك ما كنت منه تحيد  ) وإذا كان ذلك كذلك كانت بينة صحة ما قلنا . 
وقوله ( 
لقد كنت في غفلة من هذا  ) يقول - تعالى ذكره - : يقال له : لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان من الأهوال والشدائد ( 
فكشفنا عنك غطاءك  ) يقول : فجلينا ذلك لك ، وأظهرناه لعينيك ، حتى رأيته وعاينته ، فزالت الغفلة عنك .  
[ ص: 351 ] 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفوا في المقول ذلك له ، فقال بعضهم : المقول ذلك له الكافر . 
وقال آخرون : هو نبي الله - صلى الله عليه وسلم - . 
وقال آخرون : هو جميع الخلق من الجن والإنس . 
ذكر من قال : هو الكافر : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك  ) وذلك الكافر . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  قوله ( 
فكشفنا عنك غطاءك  ) قال : للكافر يوم القيامة  . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
مهران  ، عن 
سفيان   ( 
فكشفنا عنك غطاءك  ) قال : في الكافر . 
ذكر من قال : هو نبي الله - صلى الله عليه وسلم - . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله ( 
لقد كنت في غفلة من هذا  ) قال : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا 
محمد  ، كنت مع القوم في جاهليتهم . ( 
فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد  ) . 
وعلى هذا التأويل الذي قاله 
ابن زيد  يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان فى غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به ، فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية ، فنفذ بصره بالإيمان وتبينه حتى تقرر ذلك عنده ، فصار حاد البصر به . 
ذكر من قال : هو جميع الخلق من الجن والإنس :  
[ ص: 352 ] 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : ثني 
يعقوب بن عبد الرحمن الزهري  قال : سألت عن ذلك 
الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس  ، فقال : يريد به البر والفاجر ، ( 
فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد  ) قال : وكشف الغطاء عن البر والفاجر ، فرأى كل ما يصير إليه . 
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( 
فكشفنا عنك غطاءك  ) قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله ( 
فكشفنا عنك غطاءك  ) قال : الحياة بعد الموت . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله ( 
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك  ) قال : عاين الآخرة . 
وقوله ( 
فبصرك اليوم حديد  ) يقول : فأنت اليوم نافذ البصر ، عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة ، وهو من قولهم : فلان بصير بهذا الأمر : إذا كان ذا علم به ، وله بهذا الأمر بصر : أي علم . 
وقد روي عن 
الضحاك  إنه قال : معنى ذلك ( 
فبصرك اليوم حديد  ) لسان الميزان ، وأحسبه أراد بذلك أن معرفته وعلمه بما أسلف في الدنيا شاهد عدل عليه ، فشبه بصره بذلك بلسان الميزان الذي يعدل به الحق في الوزن ، ويعرف مبلغه الواجب لأهله عما زاد على ذلك أو نقص ، فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدنيا شاهد عليه كلسان الميزان .