صفحة جزء
[ ص: 450 ] [ ص: 451 ] [ ص: 452 ] [ ص: 453 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( والطور ( 1 ) وكتاب مسطور ( 2 ) في رق منشور ( 3 ) والبيت المعمور ( 4 ) والسقف المرفوع ( 5 ) والبحر المسجور ( 6 ) إن عذاب ربك لواقع ( 7 ) ما له من دافع ( 8 ) )

يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( والطور ) : والجبل الذي يدعى الطور .

وقد بينت معنى الطور بشواهده ، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع

وقد حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : ( والطور ) قال : الجبل بالسريانية .

وقوله : ( وكتاب مسطور ) يقول : وكتاب مكتوب ; ومنه قول رؤبة :


إني وآيات سطرن سطرا

[ ص: 454 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن . قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( وكتاب مسطور ) قال : صحف .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( وكتاب مسطور ) والمسطور : المكتوب .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( مسطور ) قال : مكتوب .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( مسطور ) قال : مكتوب .

وقوله : ( في رق منشور ) يقول : في ورق منشور .

وقوله : " في " من صلة مسطور ، ومعنى الكلام : وكتاب سطر ، وكتب في ورق منشور .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( في رق منشور ) وهو الكتاب .

حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، ( في رق ) قال : الرق : الصحيفة .

وقوله : ( والبيت المعمور ) يقول : والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض ، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، ثم لا يعودون فيه أبدا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 455 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة ، رجل من قومه قال : قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع إلي البيت المعمور ، فقلت : يا جبريل ما هذا؟ قال : البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم " .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا خالد بن الحارث قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .

حدثنا هناد بن السري قال : ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة ، أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه : ما البيت المعمور ؟ قال : بيت في السماء يقال له الضراح ، وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، ولا يعودون فيه أبدا .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب قال : سمعت خالد بن عرعرة قال : سمعت عليا رضي الله عنه ، وخرج إلى الرحبة ، فقال له ابن الكواء ، أو غيره : ما البيت المعمور؟ قال : بيت في السماء السادسة يقال له الضراح ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن علي بن ربيعة قال : سأل ابن الكواء ، عليا ، رضي الله عنه عن البيت المعمور ، قال : مسجد في السماء يقال له الضراح ، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، لا يرجعون فيه أبدا .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عبيد المكتب ، [ ص: 456 ] عن أبي الطفيل قال : سأل ابن الكواء ، عليا عن البيت المعمور ، قال : بيت بحيال البيت العتيق في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك على رسم راياتهم ، يقال له الضراح ، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يرجعون فيه أبدا .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا بهرام قال : ثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي رضي الله عنه ، قال : سأله رجل عن البيت المعمور ، قال : بيت في السماء يقال له الضريح قصد البيت ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( والبيت المعمور ) قال : هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه .

حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال : ثنا علي بن الحسن قال : ثنا حسين قال : سئل عكرمة وأنا جالس عنده عن البيت المعمور ، قال : بيت في السماء بحيال الكعبة .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( والبيت المعمور ) قال : بيت في السماء يقال له الضراح .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والبيت المعمور ) ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأصحابه : " هل تدرون ما البيت المعمور " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة لو خر لخر عليها ، أو عليه ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم " . [ ص: 457 ]

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( والبيت المعمور ) يزعمون أنه يروح إليه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس ، يقال لهم الجن .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( والبيت المعمور ) قال : بيت الله الذي في السماء . وقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن بيت الله في السماء ليدخله كل يوم طلعت شمسه سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه أبدا بعد ذلك " .

حدثنا محمد بن مرزوق قال : ثنا حجاج قال : ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة " .

حدثنا محمد بن سنان القزاز قال : ثنا موسى بن إسماعيل قال : ثنا سليمان عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما عرج بي الملك إلى السماء السابعة انتهيت إلى بناء فقلت للملك : ما هذا؟ قال : هذا بناء بناه الله للملائكة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، يقدسون الله ويسبحونه ، لا يعودون فيه " .

وقوله : ( والسقف المرفوع ) يعني بالسقف في هذا الموضع : السماء ، وجعلها سقفا ، لأنها سماء للأرض ، كسماء البيت الذي هو سقفه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد بن السري قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه : ما السقف المرفوع ؟ قال : السماء .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي قال : السقف المرفوع : السماء . [ ص: 458 ]

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران قال : ثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي رضي الله عنه قال : سأله رجل عن السقف المرفوع ، فقال : السماء .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب قال : سمعت خالد بن عرعرة قال : سمعت عليا يقول : والسقف المرفوع : هو السماء ، قال : ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ) .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( السقف المرفوع ) : قال : السماء .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والسقف المرفوع ) : سقف السماء .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( والسقف المرفوع ) : سقف السماء .

وقوله : ( والبحر المسجور ) اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور ، فقال بعضهم : الموقد . وتأويل ذلك : والبحر الموقد المحمى .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن داود ، عن سعيد بن المسيب قال : قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم؟ فقال : البحر ، فقال : ما أراه إلا صادقا ، ( والبحر المسجور ) وإذا البحار سجرت مخففة .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية في قوله : ( والبحر المسجور ) قال : بمنزلة التنور المسجور . [ ص: 459 ]

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث . قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والبحر المسجور ) قال : الموقد .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( والبحر المسجور ) قال : الموقد ، وقرأ قول الله تعالى : ( وإذا البحار سجرت ) قال : أوقدت .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وإذا البحار ملئت ، وقال : المسجور : المملوء .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( والبحر المسجور ) الممتلئ .

وقال آخرون : بل المسجور : الذي قد ذهب ماؤه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : ( والبحر المسجور ) قال : سجره حين يذهب ماؤه ويفجر .

وقال آخرون : المسجور : المحبوس .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : ( والبحر المسجور ) يقول : المحبوس .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض ، وذلك أن الأغلب من معاني السجر : الإيقاد ، كما يقال : سجرت التنور ، بمعنى : أوقدت ، أو الامتلاء على ما [ ص: 460 ] وصفت ، كما قال لبيد :


فتوسطا عرض السري وصدعا     مسجورة متجاورا قلامها



وكما قال النمر بن تولب العكلي :


إذا شاء طالع مسجورة     ترى حولها النبع والساسما
سقتها رواعد من صيف     وإن من خريف فلن يعدما



فإذا كان ذلك الأغلب من معاني السجر ، وكان البحر غير موقد اليوم ، وكان الله - تعالى ذكره - قد وصفه بأنه مسجور ، فبطل عنه إحدى الصفتين ، وهو الإيقاد صحت الصفة الأخرى التي هي له اليوم ، وهو الامتلاء ، لأنه كل وقت ممتلئ .

وقيل : إن هذا البحر المسجور الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى بحر في السماء تحت العرش .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، عن علي ( والبحر المسجور ) قال : بحر في السماء تحت العرش .

[ ص: 461 ]

قال : ثنا مهران قال : وسمعته أنا من إسماعيل قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ( والبحر المسجور ) قال : بحر تحت العرش .

حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( والبحر المسجور ) قال : بحر تحت العرش .

وقوله : ( إن عذاب ربك لواقع ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( إن عذاب ربك لواقع ) يا محمد ، لكائن حال بالكافرين به يوم القيامة .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن عذاب ربك لواقع ) وقع القسم هاهنا ( إن عذاب ربك لواقع ) وذلك يوم القيامة .

وقوله : ( ما له من دافع ) يقول : ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين من دافع يدفعه عنهم ، فينقذهم منه إذا وقع .

التالي السابق


الخدمات العلمية