1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ( 151 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "كما أرسلنا فيكم رسولا " ، ولأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية ، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام ، فأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) [ سورة البقرة : 128 ] ، كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ، ومسألته التي سألنيها فقال : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) [ ص: 209 ] [ سورة البقرة : 129 ] ، فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل ، أن أبعثه من ذريتهما .

ف "كما " - إذ كان ذلك معنى الكلام - صلة لقول الله عز وجل : "ولأتم نعمتي عليكم " . ولا يكون قوله : "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، متعلقا بقوله : "فاذكروني أذكركم " .

وقد قال قوم : إن معنى ذلك : فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم . وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير ، فأغرقوا النزع ، وبعدوا من الإصابة ، وحملوا الكلام على غير معناه المعروف ، وسوى وجهه المفهوم .

وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب ، المفهوم في خطابهم بينهم - إذا قال بعضهم لبعض : "كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن " - أن لا يشترطوا للآخر ، لأن "الكاف " في "كما " شرط معناه : افعل كما فعلت . ففي مجيء جواب : "اذكروني " بعده ، وهو قوله : "أذكركم " ، أوضح دليل على أن قوله : "كما أرسلنا " من صلة الفعل الذي قبله ، وأن قوله : "اذكروني أذكركم " خبر مبتدأ منقطع عن الأول ، وأنه من سبب قوله : "كما أرسلنا فيكم " بمعزل .

وقد زعم بعض النحويين أن قوله : "فاذكروني " - إذا جعل قوله : "كما أرسلنا فيكم " جوابا له ، مع قوله : " أذكركم " - نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين ، كقول القائل : إذا أتاك فلان فأته ترضه " ، فيصير قوله : "فأته " و "ترضه " جوابين لقوله : "إذا أتاك " ، وكقوله : "إن تأتني أحسن إليك أكرمك " . [ ص: 210 ]

وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب ، فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب . والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات ، الأفصح الأعرف من كلام العرب ، دون الأنكر الأجهل من منطقها . هذا ، مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل .

ذكر من قال : إن قوله : "كما أرسلنا " ، جواب قوله : "فاذكروني " .

2309 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل : " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، كما فعلت فاذكروني .

2310 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

قوله : " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، فإنه يعني بذلك العرب ، قال لهم جل ثناؤه : الزموا أيها العرب طاعتي ، وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها ، لتنقطع حجة اليهود عنكم ، فلا تكون لهم عليكم حجة ، ولأتم نعمتي عليكم ، وتهتدوا ، كما ابتدأتكم بنعمتي ، فأرسلت فيكم رسولا منكم . وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم : محمد صلى الله عليه وسلم ، كما : -

2311 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .

وأما قوله : "يتلو عليكم آياتنا " ، فإنه يعني آيات القرآن ، وبقوله : "ويزكيكم " ويطهركم من دنس الذنوب ، و "يعلمكم الكتاب" وهو الفرقان ، يعني : أنه [ ص: 211 ] يعلمهم أحكامه . ويعني : ب "الحكمة " السنن والفقه في الدين . وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده .

وأما قوله : "ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " ، فإنه يعني : ويعلمكم من أخبار الأنبياء ، وقصص الأمم الخالية ، والخبر عما هو حادث وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها ، فعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنما يدركونه برسوله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية