1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الطور
  4. القول في تأويل قوله تعالى" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ( 21 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ، ألحقنا بهم ذرياتهم المؤمنين في الجنة ، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم ، تكرمة لآبائهم المؤمنين ، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان فقال : إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته ، وإن كانوا دونه في العمل ، ليقر الله بهم عينه .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرية المؤمن [ ص: 468 ] في درجته ، وإن كانوا دونه في العمل ، ليقر بهم عينه ، ثم قرأ " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء " .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عمرو بن مرة الجملي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته ، ثم ذكر نحوه ، غير أنه قرأ وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا محمد بن بشر قال : ثنا سفيان بن سعيد ، عن سماعة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الآية " والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان " قال : المؤمن ترفع له ذريته ، فيلحقون به ، وإن كانوا دونه في العمل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم التي بلغت الإيمان بإيمان ، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان ، وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم يقول : الذين أدرك ذريتهم الإيمان ، فعملوا بطاعتي ، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ، وأولادهم الصغار نلحقهم بهم .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا [ ص: 469 ] بهم ذرياتهم ، يقول : من أدرك ذريته الإيمان ، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة ، وأولادهم الصغار أيضا على ذلك .

وقال آخرون نحو هذا القول ، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله : ( ألحقنا بهم ) من ذكر الذرية ، والهاء والميم في قوله : " ذريتهم " الثانية من ذكر " الذين " . وقالوا : معنى الكلام : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم الصغار ، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم قال : أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا ، فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرياتهم التي لم يدركوا الأعمال ، فقال الله جل ثناؤه ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قال : يقول : لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم ، فنعطيه ذرياتهم الذين ألحقناهم بهم الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال .

وقال آخرون : بل معنى ذلك ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم ، وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت داود يحدث عن عامر ، أنه قال في هذه الآية " والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء " فأدخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة ، ولم ينقص الله الآباء من عملهم شيئا ، قال : فهو قوله : ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن سعيد بن جبير [ ص: 470 ] أنه قال في قول الله : " ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء " ، قال : ألحق الله ذرياتهم بآبائهم ، ولم ينقص الآباء من أعمالهم ، فيرده على أبنائهم .

وقال آخرون : إنما عنى بقوله : " ألحقنا بهم ذريتهم " : أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الآباء .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم قال : سمعت ابراهيم في قوله : " وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم " قال : أعطوا مثل أجور آبائهم ، ولم ينقص من أجورهم شيئا .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم " وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم " قال : أعطوا مثل أجورهم ، ولم ينقص من أجورهم .

قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع " وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان " يقول : أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقول : ما نقصنا آباءهم شيئا .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم " كذلك قالها يزيد " ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم " قال : عملوا بطاعة الله فألحقهم الله بآبائهم .

وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل ، القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وهو : والذين آمنوا بالله ورسوله ، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان ، وآمنوا بالله ورسوله ، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا ، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم ، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لآبائهم ، وما ألتناهم [ ص: 471 ] من أجور عملهم شيئا .

وإنما قلت : ذلك أولى التأويلات به ، لأن ذلك الأغلب من معانيه ، وإن كان للأقوال الأخر وجوه .

واختلفت القراء في قراءة قوله : " وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم " فقرأ ذلك عامةقراء المدينة ( واتبعتهم ذريتهم ) على التوحيد بإيمان ( ألحقنا بهم ذرياتهم ) على الجمع ، وقرأته قراء الكوفة ( واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) كلتيهما بإفراد . وقرأ بعض قراء البصرة وهو أبو عمرو " وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم " .

والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قراءة الأمصار ، متقاربات المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقول - تعالى ذكره - : وما ألتنا الآباء ، يعني بقوله : ( وما ألتناهم ) : وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا ، فنأخذه منهم ، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم ، ولكنا وفيناهم أجور أعمالهم ، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم ، تفضلا منا عليهم . والألت في كلام العرب : النقص والبخس ، وفيه لغة أخرى ، ولم يقرأ بها أحد نعلمه ، ومن الألت قول الشاعر :


أبلغ بني ثعل عني مغلغلة جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا



يعني : لا نقصان ولا زيادة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 472 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قال : ما نقصناهم .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن ابن عباس قوله : ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقول : ما نقصناهم .

وحدثني موسى بن عبد الرحمن قال : ثنا موسى بن بشر قال : ثنا سفيان بن سعيد ، عن سماعة عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قال : وما نقصناهم .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قال : ما نقصنا الآباء للأبناء .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : ما نقصنا الآباء للأبناء ، ( وما ألتناهم ) قال : وما نقصناهم .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قال : نقصناهم .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقول : ما نقصنا آباءهم شيئا . [ ص: 473 ]

قال ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، مثله .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ( وما ألتناهم ) قال : وما ظلمناهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقول : وما ظلمناهم من عملهم من شيء .

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) يقول : وما ظلمناهم .

وحدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وما ألتناهم ) يقول : وما ظلمناهم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وما ألتناهم من عملهم ) قال : يقول : لم نظلمهم من عملهم من شيء : لم ننتقصهم فنعطيه ذرياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) قال : لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار ، وأدخلهم برحمته ، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم .

وقوله : ( كل امرئ بما كسب رهين ) يقول : كل نفس بما كسبت وعملت من خير وشر مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره ، وإنما يعاقب بذنب نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية