صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فبأي آلاء ربك تتمارى ( 55 ) هذا نذير من النذر الأولى ( 56 ) أزفت الآزفة ( 57 ) ليس لها من دون الله كاشفة ( 58 ) )

يقول : ( فبأي آلاء ربك تتمارى ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعمات ربك يا ابن آدم التي أنعمها عليك ترتاب وتشك وتجادل ، والآلاء : جمع إلى . وفي واحدها لغات ثلاثة : إلى على مثال على ، وإلي على مثال علي ، وألى على مثال علا . [ ص: 556 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فبأي آلاء ربك تتمارى ) يقول : فبأي نعم الله تتمارى يا ابن آدم .

وحدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فبأي آلاء ربك تتمارى ) قال : بأي نعم ربك تتمارى .

وقوله : ( هذا نذير من النذر الأولى ) اختلف أهل التأويل في معنى قوله جل ثناؤه لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ( هذا نذير من النذر الأولى ) ووصفه إياه بأنه من النذر الأولى وهو آخرهم ، فقال بعضهم : معنى ذلك : أنه نذير لقومه ، وكانت النذر الذين قبله نذرا لقومهم ، كما يقال : هذا واحد من بني آدم ، وواحد من الناس .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( هذا نذير من النذر الأولى ) قال : أنذر محمد - صلى الله عليه وسلم - كما أنذرت الرسل من قبله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( هذا نذير من النذر الأولى ) إنما بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بما بعث الرسل قبله .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( هذا نذير من النذر الأولى ) قال : هو محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقال آخرون : معنى ذلك غير هذا كله ، وقالوا : معناه هذا الذي أنذرتكم به أيها القوم من الوقائع التي ذكرت لكم أني أوقعتها بالأمم قبلكم من النذر التي أنذرتها الأمم قبلكم في صحف إبراهيم وموسى .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد . قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن [ ص: 557 ] أبي مالك ( هذا نذير من النذر الأولى ) قال : مما أنذروا به قومهم في صحف إبراهيم وموسى .

وهذا الذي ذكرت ، عن أبي مالك أشبه بتأويل الآية ، وذلك أن الله - تعالى ذكره - ذكر ذلك في سياق الآيات التي أخبر عنها أنها في صحف إبراهيم وموسى " نذير من النذر الأولى " التي جاءت الأمم قبلكم كما جاءتكم ، فقوله ( هذا ) بأن تكون إشارة إلى ما تقدمها من الكلام أولى وأشبه منه بغير ذلك .

وقوله ( أزفت الآزفة ) يقول : دنت الدانية : وإنما يعني : دنت القيامة القريبة منكم أيها الناس يقال منه : أزف رحيل فلان . إذا دنا وقرب ، كما قال نابغة بنى ذبيان :


أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد



وكما قال كعب بن زهير :


بان الشباب وأمسى الشيب قد أزفا     ولا أرى لشباب ذاهب خلفا



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن [ ص: 558 ] ابن عباس ( أزفت الآزفة ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قالا : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( أزفت الآزفة ) قال : اقتربت الساعة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( أزفت الآزفة ) قال : الساعة . ( ليس لها من دون الله كاشفة ) .

وقوله : ( ليس لها من دون الله كاشفة ) يقول - تعالى ذكره - : ليس للآزفة التي قد أزفت ، وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف ، يقول : ليس تنكشف فتقوم إلا بإقامة الله إياها ، وكشفها دون من سواه من خلقه ، لأنه لم يطلع عليها ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا . وقيل : كاشفة ، فأنثت ، وهي بمعنى الانكشاف ; كما قيل : ( فهل ترى لهم من باقية ) بمعنى : فهل ترى لهم من بقاء ; وكما قيل : العاقبة وما له من ناهية ، وكما قيل ( ليس لوقعتها كاذبة ) بمعنى تكذيب ، ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم ) بمعنى خيانة .

التالي السابق


الخدمات العلمية