1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) )

قال أبو جعفر : وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور ، ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، وكما امتحن أصفياءه قبلهم . ووعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ سورة البقرة : 214 ] ، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيره يقول .

2325 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " ، ونحو هذا ، قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال : "وبشر الصابرين " ، ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته ، لتطيب أنفسهم فقال : ( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) . [ ص: 220 ]

ومعنى قوله : "ولنبلونكم " ، ولنختبرنكم . وقد أتينا على البيان عن أن معنى "الابتلاء " الاختبار ، فيما مضى قبل .

وقوله : "بشيء من الخوف " ، يعني من الخوف من العدو ، وبالجوع - وهو القحط - يقول : لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة ، وتتعذر المطالب عليكم ، فتنقص لذلك أموالكم ، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار ، فينقص لها عددكم ، وموت ذراريكم وأولادكم ، وجدوب تحدث ، فتنقص لها ثماركم . كل ذلك امتحان مني لكم ، واختبار مني لكم ، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه ، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم ، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب .

كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كما :

2326 - حدثني هارون بن إدريس الكوفي الأصم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

وإنما قال تعالى ذكره : "بشيء من الخوف " ولم يقل بأشياء ، لاختلاف أنواع ما أعلم عباده أنه ممتحنهم به . فلما كان ذلك مختلفا - وكانت "من " تدل على أن كل نوع منها مضمر "شيء " ، فإن معنى ذلك : ولنبلونكم بشيء من الخوف ، وبشيء من الجوع ، وبشيء من نقص الأموال - اكتفى بدلالة ذكر "الشيء " في أوله ، من إعادته مع كل نوع منها .

ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم ، وامتحنهم بضروب المحن ، كما : -

2327 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 221 ] عن أبيه ، عن الربيع في قوله ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات قال : قد كان ذلك ، وسيكون ما هو أشد من ذلك .

قال الله عند ذلك : " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " .

ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، بشر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به ، والحافظين أنفسهم عن التقدم على نهيي عما أنهاهم عنه ، والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي ، مع ابتلائي إياهم بما أبتليهم به ، القائلين إذا أصابتهم مصيبة : "إنا لله وإنا إليه راجعون " . فأمره الله تعالى ذكره بأن يخص - بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد - أهل الصبر ، الذين وصف الله صفتهم .

وأصل "التبشير " : إخبار الرجل الرجل الخبر ، يسره أو يسوءه ، لم يسبقه به إلى غيره

التالي السابق


الخدمات العلمية