صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( رب المشرقين ورب المغربين ( 17 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 18 ) مرج البحرين يلتقيان ( 19 ) بينهما برزخ لا يبغيان ( 20 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 21 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ذلكم أيها الثقلان ( رب المشرقين ) يعني بالمشرقين : مشرق الشمس في الشتاء ، ومشرقها في الصيف . [ ص: 28 ]

وقوله : ( ورب المغربين ) يعني : ورب مغرب الشمس في الشتاء ، ومغربها في الصيف .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن أبزى قوله : ( رب المشرقين ورب المغربين ) قال : مشارق الصيف ومغارب الصيف ، مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثلاثمائة في ستين وثلاثمائة برج ، لكل برج مطلع ، لا تطلع يومين من مكان واحد . وفي المغرب ستون وثلاثمائة برج ، لكل برج مغيب ، لا تغيب يومين في برج .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( رب المشرقين ورب المغربين ) قال : مشرق الشتاء ومغربه ، ومشرق الصيف ومغربه .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( رب المشرقين ورب المغربين ) فمشرقها في الشتاء ، ومشرقها في الصيف .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة قوله : ( رب المشرقين ورب المغربين ) قال : مشرق الشتاء ومغربه ، ومشرق الصيف ومغربه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال : ابن زيد في قوله : ( رب المشرقين ورب المغربين ) قال : أقصر مشرق في السنة ، وأطول مشرق في السنة ، وأقصر مغرب في السنة ، وأطول مغرب في السنة .

وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس من هذه النعم التي أنعم بها عليكم - من تسخيره الشمس لكم في هذين [ ص: 29 ] المشرقين والمغربين تجري لكما دائبة بمرافقكما ، ومصالح دنياكما ومعايشكما - تكذبان .

وقوله : ( مرج البحرين يلتقيان ) يقول - تعالى ذكره - : مرج رب المشرقين ورب المغربين البحرين يلتقيان ، يعني بقوله : ( مرج ) : أرسل وخلى . من قولهم : مرج فلان دابته : إذا خلاها وتركها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( مرج البحرين ) يقول : أرسل .

واختلف أهل العلم في البحرين اللذين ذكرهما الله - جل ثناؤه - في هذه الآية ، أي البحرين هما ؟ فقال : بعضهم : هما بحران : أحدهما في السماء ، والآخر في الأرض .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) قال : بحر في السماء ، وبحر في الأرض .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر عن سعيد في قوله : ( مرج البحرين يلتقيان ) قال : بحر في السماء ، وبحر في الأرض .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : ( مرج البحرين يلتقيان ) قال : بحر في السماء والأرض يلتقيان كل عام .

وقال آخرون : عني بذلك بحر فارس وبحر الروم . [ ص: 30 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن زياد مولى مصعب ، عن الحسن ( مرج البحرين يلتقيان ) قال : بحر الروم ، وبحر فارس واليمن .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( مرج البحرين يلتقيان ) فالبحران : بحر فارس ، وبحر الروم .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مرج البحرين يلتقيان ) قال : بحر فارس وبحر الروم .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني به بحر السماء ، وبحر الأرض ؛ وذلك أن الله قال ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، واللؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحر الأرض عن قطر ماء السماء ، فمعلوم أن ذلك بحر الأرض وبحر السماء .

وقوله : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) يقول - تعالى ذكره - : بينهما حاجز وبعد ، لا يفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه ، وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب ، وما بين الدنيا والآخرة برزخ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى ( بينهما برزخ لا يبغيان ) : لا يبغي أحدهما على صاحبه .

قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا فطر ، عن مجاهد قوله : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) قال : بينهما حاجز من الله ، لا يبغي أحدهما على الآخر .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) يقول : حاجز . [ ص: 31 ]

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) والبرزخ : هذه الجزيرة ، هذا اليبس .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : البرزخ الذي بينهما : الأرض التي بينهما .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة ( بينهما برزخ لا يبغيان ) قال : حجز المالح عن العذب ، والعذب عن المالح ، والماء عن اليبس ، واليبس عن الماء ، فلا يبغي بعضه على بعض بقوته ولطفه وقدرته .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) قال : منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض . قال : والبرزخ بعد الأرض الذي جعل بينهما .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( لا يبغيان ) فقال بعضهم : معنى ذلك : لا يبغي أحدهما على صاحبه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن ابن أبزى ( لا يبغيان ) : لا يبغي أحدهما على صاحبه .

قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا فطر ، عن مجاهد مثله .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهما لا يختلطان .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن [ ص: 32 ] أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( لا يبغيان ) قال : لا يختلطان .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يبغيان على اليبس .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لا يبغيان ) : على اليبس ، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي ، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى .

وقال آخرون : بل معناه : لا يبغيان أن يلتقيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( لا يبغيان ) قال : لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف البحرين اللذين ذكرهما في هذه الآية أنهما لا يبغيان ، ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء ، بل عم الخبر عنهما بذلك ، فالصواب أن يعم كما عم - جل ثناؤه - فيقال : إنهما لا يبغيان على شيء ، ولا يبغي أحدهما على صاحبه ، ولا يتجاوزان حد الله الذي حده لهما .

وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم الله ربكما معشر الجن والإنس تكذبان من هذه النعم التي أنعم عليكم من مرجه البحرين ، حتى جعل لكم بذلك حلية تلبسونها كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية