القول في تأويل 
قوله تعالى : ( وحور عين  ( 22 ) 
كأمثال اللؤلؤ المكنون  ( 23 ) 
جزاء بما كانوا يعملون  ( 24 ) 
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما  ( 25 ) 
إلا قيلا سلاما سلاما  ( 26 ) ) 
اختلف القراء في قراءة قوله : ( 
وحور عين  ) فقرأته عامة قراء 
الكوفة  وبعض المدنيين " وحور عين " بالخفض إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم ، وإن كان ذلك مما لا يطاف به ، ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الآخر الأول في الإعراب ، كما قال بعض الشعراء . 
إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا 
 [ ص: 106 ] 
فالعيون تكحل ، ولا تزجج إلا الحواجب ، فردها في الإعراب على الحواجب ؛ لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الآخر : 
تسمع للأحشاء منه لغطا     ولليدين جسأة وبددا 
والجسأة : غلظ في اليد ، وهي لا تسمع . 
وقرأ ذلك بعض قراء 
المدينة  ومكة  والكوفة  وبعض 
أهل البصرة  بالرفع ( 
وحور عين  ) على الابتداء . وقالوا : الحور العين لا يطاف بهن ، فيجوز العطف بهن في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم . ولكنه مرفوع بمعنى : وعندهم حور عين ، أو لهم حور عين . 
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان  
[ ص: 107 ] قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء مع تقارب معنييهما ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب . والحور جماعة حوراء : وهي النقية بياض العين ، الشديدة سوادها . والعين : جمع عيناء ، وهي النجلاء العين في حسن . 
وقوله : ( 
كأمثال اللؤلؤ المكنون  ) يقول : هن في صفاء بياضهن وحسنهن ، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صين في كن . 
وقوله : ( 
جزاء بما كانوا يعملون  ) يقول - تعالى ذكره - : ثوابا لهم من الله بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ، وعوضا من طاعتهم إياه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
أبو هشام الرفاعي  قال : ثنا 
ابن يمان  ، عن 
ابن عيينة  ، عن 
عمرو  عن 
الحسن   ( 
وحور عين  ) قال : شديدة السواد : سواد العين ، شديدة البياض : بياض العين  . 
قال ثنا 
ابن يمان  ، عن 
سفيان  ، عن رجل ، عن 
الضحاك   ( 
وحور عين  ) قال : بيض عين قال : عظام الأعين  . 
حدثنا 
ابن عباس الدوري  قال : ثنا 
حجاج  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني  ، عن 
ابن عباس  قال : الحور : سود الحدق  . 
حدثنا 
الحسن بن عرفة  قال : ثنا 
إبراهيم بن محمد الأسلمي  ، عن 
عباد بن منصور الباجي  أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  يقول : الحور : صوالح نساء بني 
آدم   . 
قال ثنا 
إبراهيم بن محمد  ، عن 
ليث بن أبي سليم  قال : بلغني أن الحور العين خلقن من الزعفران  . 
حدثنا 
الحسن بن يزيد الطحان  قال : حدثتنا 
عائشة امرأة ليث ،  عن 
ليث  ، عن 
مجاهد  قال : خلق الحور العين من الزعفران  .  
[ ص: 108 ] 
حدثني 
محمد بن عبيد المحاربي  قال : ثنا 
عمرو بن سعد  قال : سمعت 
ليثا  ، ثني عن 
مجاهد  قال : الحور العين خلقن من الزعفران  . 
وقال آخرون : بل معنى قوله : ( حور ) أنهن يحار فيهن الطرف . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
أبو هشام  قال : ثنا 
ابن يمان  ، عن 
سفيان  ، عن رجل ، عن 
مجاهد   ( 
وحور عين  ) قال : يحار فيهن الطرف  . 
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : ( 
كأمثال اللؤلؤ  ) قال أهل التأويل ، وجاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
حدثنا 
أحمد بن عبد الرحمن  قال : ثنا 
أحمد بن الفرج الصدفي الدمياطي  ، عن 
عمرو بن هاشم  ، عن 
ابن أبي كريمة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان  ، عن 
الحسن  ، عن أمه ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812586عن أم سلمة  قالت : قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله ( كأمثال اللؤلؤ المكنون  ) قال : " صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي " . 
وقوله : ( 
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما  ) يقول : لا يسمعون فيها باطلا من القول ولا تأثيما ، يقول : ليس فيها ما يؤثمهم . 
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من 
أهل البصرة  يقول ( 
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما  ) والتأثيم لا يسمع ، وإنما يسمع اللغو . كما قيل : أكلت خبزا ولبنا ، واللبن لا يؤكل ، فجازت إذ كان معه شيء يؤكل . 
وقوله : ( 
إلا قيلا سلاما سلاما  ) يقول : لا يسمعون فيها من القول إلا قيلا سلاما : أي اسلم مما تكره . 
وفي نصب قوله : ( 
سلاما سلاما  ) وجهان : إن شئت جعلته تابعا للقيل ، ويكون السلام حينئذ هو القيل فكأنه قيل : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا سلاما سلاما ، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما . والثاني : أن يكون نصبه  
[ ص: 109 ] بوقوع القيل عليه ، فيكون معناه حينئذ : إلا قيل سلام فإن نون نصب قوله : ( 
سلاما سلاما  ) بوقوع قيل عليه .