صفحة جزء
[ ص: 162 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأما إن كان من أصحاب اليمين ( 90 ) فسلام لك من أصحاب اليمين ( 91 ) وأما إن كان من المكذبين الضالين ( 92 ) فنزل من حميم ( 93 ) وتصلية جحيم ( 94 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ( وأما إن كان ) الميت ( من أصحاب اليمين ) الذين يؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) .

ثم اختلف في معنى قوله : ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) فقال أهل التأويل فيه ما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وأما إن كان من أصحاب اليمين ) فسلام لك من أصحاب اليمين قال : سلام من عند الله ، وسلمت عليه ملائكة الله .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين ) قال : سلم مما يكره .

وأما أهل العربية ، فإنهم اختلفوا في ذلك فقال بعض نحويي البصرة ( وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين ) : أي فيقال سلم لك . وقال بعض نحويي الكوفة : قوله : ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) : أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين ، وألقيت " أن " ونوي معناها . كما تقول : أنت مصدق مسافر عن قليل ، إذا كان قد قال : إني مسافر عن قليل ، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل ، ومصدق عن قليل . قال : وقوله : ( فسلام لك ) معناه : فسلم لك أنت من أصحاب اليمين . قال : وقد [ ص: 163 ] يكون كالدعاء له ، كقوله : فسقيا لك من الرجال . قال : وإن رفعت السلام فهو دعاء ، والله أعلم بصوابه .

وقال آخر منهم قوله : ( فأما إن كان من المقربين ) فإنه جمع بين جوابين ليعلم أن " أما : جزاء . قال : وأما قوله : ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) قال : وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا ، ثم حذفت " أن " وأقيم " من " مقامها . قال : وقد قيل : فسلام لك أنت من أصحاب اليمين ، فهو على ذاك : أي سلام لك . يقال : أنت من أصحاب اليمين ، وهذا كله على كلامين .

قال : وقد قيل مسلم : أي كما تقول : فسلام لك من القوم ، كما تقول : فسقيا لك من القوم ، فتكون كلمة واحدة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : معناه : فسلام لك أنك من أصحاب اليمين ، ثم حذفت واجتزئ بدلالة من عليها منها ، فسلمت من عذاب الله ، ومما تكره ؛ لأنك من أصحاب اليمين .

وقوله : ( وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم ) يقول تعالى : وأما إن كان الميت من المكذبين بآيات الله ، الجائرين عن سبيله ، فله نزل من حميم قد أغلي حتى انتهى حره ، فهو شرابه . ( وتصلية جحيم ) يقول : وحريق النار يحرق بها . والتصلية : التفعلة من صلاه الله النار فهو يصليه تصلية ، وذلك إذا أحرقه بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية