صفحة جزء
[ ص: 247 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( 158 ) )

قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة : "ومن تطوع خيرا " على لفظ المضي ب "التاء " وفتح "العين " . وقرأته عامة قراء الكوفيين : "ومن يطوع خيرا " ب "الياء " وجزم "العين " وتشديد "الطاء " ، بمعنى : ومن يتطوع . وذكر أنها في قراءة عبد الله : "ومن يتطوع " ، فقرأ ذلك قراء أهل الكوفة ، على ما وصفنا ، اعتبارا بالذي ذكرنا من قراءة عبد الله - سوى عاصم ، فإنه وافق المدنيين - فشددوا "الطاء " طلبا لإدغام "التاء " في "الطاء " . وكلتا القراءتين معروفة صحيحة ، متفق معنياهما غير مختلفين - لأن الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل . فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب .

[ والصواب عندنا في ذلك ، أن ] معنى ذلك : ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه ، فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه ، فمجازيه به ، عليم بما قصد وأراد بتطوعه بما تطوع به .

وإنما قلنا إن الصواب في معنى قوله : "فمن تطوع خيرا " هو ما وصفنا ، دون قول من زعم أنه معني به : فمن تطوع بالسعي والطواف بين الصفا والمروة ، لأن الساعي بينهما لا يكون متطوعا بالسعي بينهما ، إلا في حج تطوع أو عمرة تطوع ، لما وصفنا قبل . وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما أنه إنما عنى بالتطوع بذلك ، التطوع بما يعمل ذلك فيه من حج أو عمرة . [ ص: 248 ]

وأما الذين زعموا أن الطواف بهما تطوع لا واجب ، فإن الصواب أن يكون تأويل ذلك على قولهم : فمن تطوع بالطواف بهما ، فإن الله شاكر لأن للحاج والمعتمر على قولهم الطواف بهما إن شاء ، وترك الطواف . فيكون معنى الكلام على تأويلهم : فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة ، فإن الله شاكر تطوعه ذلك عليم بما أراد ونوى الطائف بهما كذلك ، كما : -

2368 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : من تطوع خيرا فهو خير له ، تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من السنن .

وقال آخرون : معنى ذلك : ومن تطوع خيرا فاعتمر .

ذكر من قال ذلك :

2369 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ، من تطوع خيرا فاعتمر فإن الله شاكر عليم . قال : فالحج فريضة ، والعمرة تطوع ، ليست العمرة واجبة على أحد من الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية