1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة المجادلة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ( 11 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ) يعني بقوله : تفسحوا : توسعوا من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعا .

واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه . فقال بعضهم : ذلك كان مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( تفسحوا في المجالس ) قال : مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقال ذاك خاصة .

حدثنا الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 244 ] عن مجاهد مثله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ) الآية . كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ) قال : كان هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن حوله خاصة . يقول : استوسعوا حتى يصيب كل رجل منكم مجلسا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي - أيضا - مقاعد للقتال .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( تفسحوا في المجالس ) قال : كان الناس يتنافسون في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل لهم : ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا ) .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ) قال : هذا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان الرجل يأتي فيقول : افسحوا لي رحمكم الله فيضن كل أحد منهم بقربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم الله بذلك ، ورأى أنه خير لهم .

وقال آخرون : بل عني بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : [ ص: 245 ] ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ) قال : ذلك في مجلس القتال .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس ، ولم يخصص بذلك مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - دون مجلس القتال ، وكلا الموضعين يقال له مجلس ، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومجالس القتال .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " تفسحوا في المجلس " على التوحيد ، غير الحسن البصري وعاصم ، فإنهما قرأا ذلك ( في المجالس ) على الجماع . وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : ( فافسحوا ) يقول : فوسعوا ، ( يفسح الله لكم ) يقول : يوسع الله منازلكم في الجنة ، ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) يقول - تعالى ذكره - : وإذا قيل ارتفعوا ، وإنما يراد بذلك : وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدو ، أو صلاة ، أو عمل خير ، أو تفرقوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقوموا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) إلى ( والله بما تعملون خبير ) قال : إذا قيل : انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( فانشزوا ) قال : إلى كل خير ، قتال عدو ، أو أمر بالمعروف ، أو حق ما كان .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) يقول : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا . وقال الحسن : هذا كله في الغزو .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) : كان إذا نودي إلى الصلاة تثاقل رجال ، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها ، يقوموا إليها .

وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) قال : انشزوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : هذا في بيته إذا قيل انشزوا ، فارتفعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن له حوائج ، فأحب كل رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) .

وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك ؛ لأن الله - عز وجل - أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا أن ينشزوا ، فعم بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات ، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ( فانشزوا ) بضم الشين . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسرها .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكفون ويعكفون ، ويعرشون ويعرشون ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب .

قوله : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) يقول - تعالى ذكره - : يرفع الله المؤمنين منكم - أيها القوم - بطاعتهم ربهم ، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا ، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها ، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات ، إذا عملوا بما أمروا به .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : [ ص: 247 ] ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) إن بالعلم لأهله فضلا وإن له على أهله حقا ، ولعمري للحق عليك أيها العالم فضل ، والله معطي كل ذي فضل فضله .

وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع .

وكان عبد الله بن مطرف يقول : إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلاة وصدقة ، والآخر أفضل منه بونا بعيدا ، قيل له : وكيف ذاك ؟ فقال : هو أشدهما ورعا لله عن محارمه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به .

وقوله : ( والله بما تعملون خبير ) يقول - تعالى ذكره - : والله بأعمالكم - أيها الناس - ذو خبرة ، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي ، وهو مجاز جميعكم بعمله . المحسن بإحسانه ، والمسيء بالذي هو أهله ، أو يعفو .

التالي السابق


الخدمات العلمية