القول في تأويل قوله تعالى : ( فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين  ( 17 ) 
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون  ( 18 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : فكان عقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه - فكفر بالله - أنهما خالدان في النار ماكثان فيها أبدا ، ( وذلك جزاء الظالمين ) يقول : وذلك ثواب 
اليهود  من 
النضير  والمنافقين الذين وعدوهم النصرة - وكل كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به - أنهم في النار مخلدون . 
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : ( خالدين فيها ) فقال بعض 
نحويي البصرة   : نصب على الحال ، وفي النار الخبر قال : ولو كان في الكلام  
[ ص: 298 ] لكان الرفع أجود في " خالدين " قال : وليس قولهم : إذا جئت مرتين فهو نصب لشيء ، إنما فيها توكيد ، جئت بها أو لم تجئ بها فهو سواء ، إلا أن العرب كثيرا ما تجعله حالا إذا كان فيها للتوكيد وما أشبهه في غير مكان قال : ( 
إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها  ) وقال بعض 
نحويي الكوفة   : في قراءة 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود   " فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدان فيها " . قال : وفي أنهما في النار خالدين فيها نصب ، قال : ولا أشتهي الرفع وإن كان يجوز ، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت ، فهذا من ذلك . قال : ومثله في الكلام قولك : مررت برجل على نابه متحملا به . ومثله قول الشاعر : 
والزعفران على ترائبها شرقا به اللبات والنحر 
لأن الترائب هي اللبات ، ها هنا ، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه ، فإذا اختلفت الصفتان جاز الرفع والنصب على حسن ، من ذلك قولك : عبد الله في الدار راغب فيك ، ألا ترى أن " في " التي في الدار مخالفة لفي التي تكون في الرغبة . قال : والحجة ما يعرف به النصب من الرفع أن لا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى ، ألا ترى أنك تقول : هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه ، فلو قلت : هذا أخوك قابضا عليه في يده درهم لم يجز ، ألا ترى أنك تقول : هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم ، فهذا يدل على أن المنصوب إذا  
[ ص: 299 ] امتنع تقديم الآخر ، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الآخر . 
وقوله : ( 
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله  ) يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ووحدوه ، اتقوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه . 
وقوله : ( 
ولتنظر نفس ما قدمت لغد  ) يقول : ولينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال ، أمن الصالحات التي تنجيه أم من السيئات التي توبقه ؟ . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد  ) : ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد ، وغد يوم القيامة . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة   ( 
ولتنظر نفس ما قدمت لغد  ) يعني يوم القيامة . 
حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : ثنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
ما قدمت لغد  ) يعني يوم القيامة . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  وقرأ قول الله - عز وجل - ( 
ولتنظر نفس ما قدمت لغد  ) - يعني يوم القيامة - الخير والشر . قال : والأمس في الدنيا ، وغد في الآخرة ، وقرأ ( 
كأن لم تغن بالأمس  ) قال : كأن لم تكن في الدنيا . 
وقوله : ( واتقوا الله ) يقول : وخافوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ( إن الله خبير بما تعملون ) يقول : إن الله ذو خبرة وعلم بأعمالكم خيرها وشرها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيكم على جميعها .