1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الممتحنة
  4. القول في تأويل قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن )

يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 325 ] ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم ) النساء ( المؤمنات مهاجرات ) من دار الكفر إلى دار الإسلام ( فامتحنوهن ) وكانت محنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهن إذا قدمن مهاجرات كما حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن قيس بن الربيع ، عن الأغر بن الصباح ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر الأسدي ، قال : سئل ابن عباس : كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء؟ قال : كان يمتحنهن : بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الحسن بن عطية ، عن قيس ، قال : أخبرنا الأغر بن الصباح ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر ، عن ابن عباس ، في ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) قال : كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفها بالله ما خرجت . . . ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، أن عائشة قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن المؤمنات إلا بالآية ، قال الله : ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ) ولا ولا" .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ) . . . إلى آخر الآية ، قالت عائشة : فمن أقر بهذا من المؤمنات ، فقد أقر بالمحبة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن : انطلقن [ ص: 326 ] فقد بايعتكن ، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام; قالت عائشة : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط ، إلا بما أمره الله عز وجل ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن : قد بايعتكن ، كلاما .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) . . . إلى قوله : ( عليم حكيم ) كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فامتحنوهن ) قال : سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن ، أو سخطة ، أو غيره ، ولم يؤمن ، فارجعوهن إلى أزواجهن .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فامتحنوهن ) كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز ، وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله ، وحرص عليه ، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فامتحنوهن ) قال : يحلفن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام ، وحبا لله ورسوله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه أو عكرمة ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) قال : يقال : ما جاء بك إلا حب الله ، ولا جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار من زوجك ، فذلك قوله : ( فامتحنوهن ) .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " كانت [ ص: 327 ] المرأة من المشركين إذا غضبت على زوجها ، وكان بينه وبينها كلام ، قالت : والله لأهاجرن إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال الله عز وجل : ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) إن كان الغضب أتى بها فردوها ، وإن كان الإسلام أتى بها فلا تردوها .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، قال : كان امتحانهن : إنه لم يخرجك إلا الدين؟ .

وقوله : ( الله أعلم بإيمانهن ) يقول : الله أعلم بإيمان من جاء من النساء مهاجرات إليكم .

وقوله : ( فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ) يقول : فإن أقررن عند المحنة بما يصح به عقد الإيمان لهن ، والدخول في الإسلام ، فلا تردوهن عند ذلك إلى الكفار . وإنما قيل ذلك للمؤمنين ، لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلما ، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحن ، فوجدهن المسلمون مؤمنات ، وصح ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل ، وأمروا أن لا يردوهن إلى المشركين إذا علم أنهن مؤمنات ، وقال جل ثناؤه لهم : ( فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) يقول : لا المؤمنات حل للكفار ، ولا الكفار يحلون للمؤمنات .

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار .

ذكر بعض ما روي في ذلك من الأثر :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، قال : "دخلت على عروة بن الزبير ، وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيد صاحب الوليد بن عبد الملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله عز وجل : [ ص: 328 ] ( إذا جاءك المؤمنات مهاجرات ) . . . إلى قوله : ( والله عليم حكيم ) وكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشا عام الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه; فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين ، إذا هن امتحن محنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيه" .

التالي السابق


الخدمات العلمية