صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ( 3 ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 4 ) )

يقول تعالى ذكره : وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ، وفي آخرين [ ص: 374 ] منهم لما يلحقوا بهم ، ف "آخرون" في موضع خفض عطفا على الأميين .

وقد اختلف في الذين عنوا بقوله : ( وآخرين منهم ) ، فقال بعضهم : عني بذلك العجم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : هم الأعاجم .

حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل بن طلحة ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : هم الأعاجم .

حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : الأعاجم .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : الأعاجم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثوري لا أعلمه إلا عن مجاهد : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : العجم .

حدثني محمد بن إسحاق ، قال : ثنا يحيى بن معين ، قال : ثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عمر ، أنه قال له : أما إن سورة الجمعة أنزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذاب ، ثم قرأ ( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) . . . حتى بلغ ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : فأنتم هم .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : الأعاجم .

حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا عبد العزيز ، وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني سليمان بن بلال ، جميعا [ ص: 375 ] عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال : "كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ قال : فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا ، قال : وفينا سلمان الفارسي ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان فقال : "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عمي ، قال : ثنا سليمان بن بلال المدني ، عن ثور بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال : وكنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .

وقال آخرون : إنما عني بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبي صلى الله عليه وسلم كائنا من كان إلى يوم القيامة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : من ردف الإسلام من الناس كلهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عز وجل : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : هؤلاء كل من كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، كل من دخل في الإسلام من العرب والعجم .

وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : عني بذلك كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامهم من أي الأجناس; لأن الله عز وجل عم بقوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) كل لاحق بهم من آخرين ، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع ، فكل لاحق بهم فهو [ ص: 376 ] من الآخرين الذين لم يكونوا في عداد الأولين الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات الله

وقوله : ( لما يلحقوا بهم ) يقول : لم يجيئوا بعد وسيجيئون .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( لما يلحقوا بهم ) يقول : لم يأتوا بعد .

وقوله : ( وهو العزيز الحكيم ) يقول : والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم ، الحكيم في تدبيره خلقه .

وقوله : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) يقول تعالى ذكره : هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الأميين من العرب ، وفي آخرين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ، ويفعل سائر ما وصف ، فضل الله ، تفضل به على هؤلاء دون غيرهم ، يؤتيه من يشاء ، يقول : يؤتي فضله ذلك من يشاء من خلقه ، لا يستحق الذم ممن حرمه الله إياه ، لأنه لم يمنعه حقا كان له قبله ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره ، ولكنه على من هو له أهل ، فأودعه إياه ، وجعله عنده .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) قال : الفضل : الدين ( والله ذو الفضل العظيم ) يقول : والله ذو الفضل على عباده ، المحسن منهم والمسيء ، والذين بعث فيهم الرسول منهم وغيرهم ، العظيم الذي يقل فضل كل ذي فضل عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية