صفحة جزء
[ ص: 397 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ( 5 ) )

يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المنافقين تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم لووا رءوسهم ، يقول حركوها وهزوها استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وباستغفاره وبتشديد الواو من ( لووا ) قرأت القراء على وجه الخبر عنهم أنهم كرروا هز رءوسهم وتحريكها وأكثروا ، إلا نافعا فإنه قرأ ذلك بتخفيف الواو ( لووا ) على وجه أنهم فعلوا ذلك مرة واحدة .

والصواب من القول في ذلك قراءة من شدد الواو لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : ( ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) يقول تعالى ذكره : ورأيتهم يعرضون عما دعوا إليه بوجوههم ( وهم مستكبرون ) يقول وهم مستكبرون عن المصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم ، وإنما عني بهذه الآيات كلها - فيما ذكر - عبد الله بن أبي ، ابن سلول ، وذلك أنه قال لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، وقال : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) فسمع بذلك زيد بن أرقم ، فأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله عما أخبر به عنه ، فحلف أنه ما قاله ، وقيل له : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته أن يستغفر لك ، فجعل يلوي رأسه ويحركه استهزاء ، ويعني ذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه ، فأنزل الله عز وجل فيه هذه السورة من أولها إلى آخرها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاءت الأخبار .

ذكر الرواية التي جاءت بذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن أرقم ، قال : "خرجت مع عمي في غزاة ، فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل; قال : فذكرت ذلك لعمي ، فذكره عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلي ، [ ص: 398 ] فحدثته ، فأرسل إلى عبد الله عليا رضي الله عنه ، وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا ، قال : فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه ، فأصابني هم لم يصبني مثله قط; فدخلت البيت ، فقال لي عمي : ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك ، قال : حتى أنزل الله عز وجل ( إذا جاءك المنافقون ) قال : فبعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأها ، ثم قال : "إن الله عز وجل قد صدقك يا زيد" .

حدثنا أبو كريب والقاسم بن بشر بن معروف ، قال : ثنا يحيى بن بكير ، قال : ثنا شعبة ، - قال الحكم : أخبرني - قال : سمعت محمد بن كعب القرظي قال : سمعت زيد بن أرقم قال : لما قال عبد الله بن أبي ابن سلول ما قال "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" وقال : لئن رجعنا إلى المدينة . قال : سمعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك ، فلاقى ناسا من الأنصار ، قال : وجاء هو فحلف ما قال ذلك ، فرجعت إلى المنزل فنمت قال : فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو بلغني فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم - فقال : "إن الله تبارك وتعالى قد صدقك وعذرك" قال : فنزلت الآية ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ) . . . الآية .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هاشم أبو النضر ، عن شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي ، قال : سمعت زيد بن أرقم يحدث بهذا الحديث .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن زيد بن أرقم ، قال : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فحلف عبد الله بن أبي إنه لم يكن شيء من ذلك ، قال : فلامني قومي وقالوا : ما أردت إلى هذا؟ قال : فانطلقت فنمت كئيبا أو حزينا ، قال : [ ص: 399 ] فأرسل إلي نبي الله صلى الله عليه وسلم - أو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : "إن الله قد أنزل عذرك وصدقك" قال : ونزلت هذه الآية : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) . . . حتى بلغ ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، قال : أخبرني ابن عون ، عن محمد ، قال : "سمعها زيد بن أرقم فرفعها إلى وليه ، قال : فرفعها وليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقيل لزيد : وفت أذنك" .

حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، قال : ثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، قال : ثني أبي ، قال : ثني بشير بن مسلم "أنه قيل لعبد الله بن أبي ابن سلول : يا أبا حباب إنه قد أنزل فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه وقال : أمرتموني أن أومن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد " .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا ) . . . الآية كلها ، قرأها إلى ( الفاسقين ) أنزلت في عبد الله بن أبي ، وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك ، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام ، فلاموه وعذلوه ، وقيل لعبد الله : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يلوي رأسه ، أي لست فاعلا وكذب علي ، فأنزل الله ما تسمعون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ) قال : عبد الله بن أبي ، قيل له : تعال ليستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلوى رأسه وقال : ماذا قلت؟ . [ ص: 400 ]

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال له قومه : لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك ، فجعل يلوي رأسه ، فنزلت فيه ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية