القول في تأويل 
قوله تعالى : ( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين  ( 10 ) 
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون  ( 11 ) ) 
يقول تعالى ذكره : وأنفقوا أيها المؤمنون بالله ورسوله من الأموال التي رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول إذا نزل به الموت : يا رب هلا أخرتني فتمهل لي في الأجل إلى أجل قريب . 
فأصدق يقول : فأزكي مالي ( 
وأكن من الصالحين  ) يقول : وأعمل بطاعتك ، وأؤدي فرائضك . 
وقيل : عنى بقوله : ( 
وأكن من الصالحين  ) وأحج بيتك الحرام . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  
[ ص: 411 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
يونس  وسعيد بن الربيع ،  قال 
سعيد ،  ثنا 
سفيان ،  وقال 
يونس   : أخبرنا 
سفيان ،  عن 
أبي جناب  عن 
الضحاك بن مزاحم ،  عن 
ابن عباس ،  قال : ما من أحد 
يموت ولم يؤد زكاة ماله ولم يحج إلا سأل الكرة ، فقالوا : يا 
أبا عباس  لا تزال تأتينا بالشيء لا نعرفه; قال : فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله : ( 
وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق  ) قال : أؤدي زكاة مالي ( 
وأكن من الصالحين  ) قال : أحج . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
أبي سنان ،  عن رجل ، عن 
الضحاك ،  عن 
ابن عباس ،  قال : ما يمنع أحدكم إذا كان له مال يجب عليه فيه الزكاة أن يزكي ، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت ، فيسأل ربه الكرة فلا يعطاها ، فقال رجل : أما تتقي الله ، يسأل المؤمن الكرة؟ قال : نعم ، أقرأ عليكم قرآنا ، فقرأ ( 
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله  ) فقال الرجل : فما الذي يوجب علي الحج ، قال : راحلة تحمله ، ونفقة تبلغه . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14392عباد بن يعقوب الأسدي  وفضالة بن الفضل ،  قال 
عباد   : أخبرنا 
يزيد أبو حازم مولى الضحاك   . 
وقال 
فضالة   : ثنا 
بزيع  عن 
الضحاك بن مزاحم  في قوله : ( 
لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق  ) قال : فأتصدق بزكاة مالي ( 
وأكن من الصالحين  ) قال : الحج . 
حدثت عن 
الحسين  ، قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : ثنا 
عبيد ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله  ) إلى آخر السورة : هو الرجل المؤمن نزل به الموت وله مال كثير لم يزكه ، ولم يحج منه ، ولم يعط منه حق الله يسأل الرجعة عند الموت فيزكي ماله ، قال الله :  
[ ص: 412 ]  ( 
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها  )  . 
حدثني 
محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس ،  قوله : ( 
لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله  ) . . . إلى قوله : ( 
وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت  ) قال : هو الرجل المؤمن إذا نزل به الموت وله مال لم يزكه ولم يحج منه ، ولم يعط حق الله فيه ، فيسأل الرجعة عند الموت ليتصدق من ماله ويزكي ، قال الله ( 
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها  )  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان   ( 
فأصدق وأكن من الصالحين  ) قال : الزكاة والحج . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( 
وأكن من الصالحين  ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل الأمصار غير 
ابن محيصن  وأبي عمرو   : وأكن جزما عطفا بها على تأويل قوله : ( فأصدق ) لو لم تكن فيه الفاء ، وذلك أن قوله : ( فأصدق ) لو لم تكن فيه الفاء كان جزما ، وقرأ ذلك 
ابن محيصن  وأبو عمرو   ( وأكون ) بإثبات الواو ونصب ( وأكون ) عطفا به على قوله : ( فأصدق ) فنصب قوله : ( وأكون ) إذا كان قوله : ( فأصدق ) نصبا . 
والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله : ( 
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها  ) يقول : لن يؤخر الله في أجل أحد فيمد له فيه إذا حضر أجله ، ولكنه يخترمه ( 
والله خبير بما تعملون  ) يقول : والله ذو خبرة وعلم بأعمال عبيده هو بجميعها محيط ، لا يخفى عليه شيء ، وهو مجازيهم بها ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . 
آخر تفسير سورة المنافقين