1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الطلاق
  4. القول في تأويل قوله تعالى "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر "
صفحة جزء
[ ص: 450 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ( 4 ) )

يقول تعالى ذكره : والنساء اللاتي قد ارتفع طمعهن عن المحيض ، فلا يرجون أن يحضن من نسائكم إن ارتبتم .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( إن ارتبتم ) فقال بعضهم : معنى ذلك : إن ارتبتم بالدم الذي يظهر منها لكبرها ، أمن الحيض هو ، أم من الاستحاضة ، فعدتهن ثلاثة أشهر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إن ارتبتم ) إن لم تعلموا التي قعدت عن الحيضة ، والتي لم تحض ، فعدتهن ثلاثة أشهر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ( إن ارتبتم ) قال : في كبرها أن يكون ذلك من الكبر ، فإنها تعتد حين ترتاب ثلاثة أشهر; فأما إذا ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة ، فإنه يتأنى بها حتى ينظر حامل هي أم غير حامل؟ فإن استبان حملها ، فأجلها أن تضع حملها ، فإن لم يستبن حملها ، فحتى يستبين بها ، وأقصى ذلك سنة .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ) قال : إن ارتبت أنها لا تحيض وقد ارتفعت حيضتها ، أو ارتاب الرجال ، أو قالت هي : [ ص: 451 ] تركتني الحيضة ، فعدتهن ثلاثة أشهر إن ارتاب ، فلو كان الحمل انتظر الحمل حتى تنقضي تسعة أشهر ، فخاف وارتاب هو ، وهي أن تكون الحيضة قد انقطعت ، فلا ينبغي لمسلمة أن تحبس ، فاعتدت ثلاثة أشهر ، وجعل الله جل ثناؤه أيضا للتي لم تحض - الصغيرة - ثلاثة أشهر .

حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : أخبرنا أبو معبد ، قال : سئل سليمان عن المرتابة ، قال : هي المرتابة التي قد قعدت من الولد تطلق ، فتحيض حيضة ، فيأتي إبان حيضتها الثانية فلا تحيض; قال : تعتد حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة; قال : فإن حاضت حيضتين ثم جاء إبان الثالثة فلم تحض اعتدت حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة ، ولم يعتد بما مضى .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن ارتبتم بحكمهن فلم تدروا ما الحكم في عدتهن ، فإن عدتهن ثلاثة أشهر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا مطرف ، عن عمرو بن سالم ، قال : "قال أبي بن كعب : يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب ، الصغار والكبار ، وأولات الأحمال ، فأنزل الله ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) .

وقال آخرون : معنى ذلك : إن ارتبتم مما يظهر منهن من الدم ، فلم تدروا أدم حيض ، أم دم مستحاضة من كبر كان ذلك أو علة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، قال : إن من الريبة : المرأة المستحاضة ، والتي لا يستقيم لها الحيض ، تحيض في الشهر مرارا ، وفي الأشهر مرة ، فعدتها ثلاثة أشهر ، وهو [ ص: 452 ] قول قتادة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال : عني بذلك : إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهن ، وذلك أن معنى ذلك لو كان كما قاله من قال : إن ارتبتم بدمائهن فلم تدروا أدم حيض أو استحاضة؟ لقيل : "إن ارتبتن" لأنهن إذا أشكل الدم عليهن فهن المرتابات بدماء أنفسهن لا غيرهن ، وفي قوله : ( إن ارتبتم ) وخطابه الرجال بذلك دون النساء الدليل الواضح على صحة ما قلنا من أن معناه : إن ارتبتم أيها الرجال بالحكم فيهن .

وأخرى ، وهو أنه جل ثناؤه قال : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ) واليائسة من المحيض هي التي لا ترجو محيضا للكبر ، ومحال أن يقال : واللائي يئسن ، ثم يقال : ارتبتم بيأسهن ، لأن اليأس : هو انقطاع الرجاء ، والمرتاب بيأسها مرجو لها ، وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد ، فإذا كان الصواب من القول في ذلك ما قلنا ، فبين أن تأويل الآية : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم بالحكم فيهن ، وفي عددهن ، فلم تدروا ما هن ، فإن حكم عددهن إذا طلقن ، وهن ممن دخل بهن أزواجهن ، فعدتهن ثلاثة أشهر ( واللائي لم يحضن ) يقول : وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي في قوله : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) يقول : التي قد ارتفع حيضها ، فعدتها ثلاثة أشهر ( واللائي لم يحضن ) قال : الجواري .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) وهن اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن ، واللائي لم يحضن هن الأبكار التي لم يحضن ، فعدتهن ثلاثة أشهر . [ ص: 453 ]

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( واللائي يئسن من المحيض ) . . . الآية ، قال : القواعد من النساء ( واللائي لم يحضن ) : لم يبلغن المحيض ، وقد مسسن ، عدتهن ثلاثة .

وقوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن ، وذلك إجماع من جميع أهل العلم في المطلقة الحامل ، فأما في المتوفى عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم .

وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى من كتابنا هذا ، وسنذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكره هنالك .

ذكر من قال : حكم قوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) عام في المطلقات والمتوفى عنهن .

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : ثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثني ابن شبرمة الكوفي ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن قيس أن ابن مسعود قال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها ، وإذا وضعت المتوفى عنها فقد حلت; يريد بآية المتوفى عنها ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك ، يعني ابن إسماعيل ، عن ابن عيينة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عن أبي عطية قال : سمعت ابن مسعود يقول : من شاء قاسمته ، نزلت سورة النساء القصرى بعدها ، يعني بعد : أربعة أشهر وعشرا .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد ، قال : لقيت أبا عطية مالك بن عامر ، فسألته عن ذلك ، يعني عن المتوفى عنها زوجها إذا وضعت قبل الأربعة أشهر والعشر ، فأخذ يحدثني بحديث سبيعة ، قلت : لا ، هل سمعت من عبد الله في ذلك شيئا؟ قال : نعم ، ذكرت ذات يوم أو ذات ليلة عند عبد الله ، فقال : أرأيت إن مضت الأربعة أشهر [ ص: 454 ] والعشر ولم تضع أقد أحلت؟ قالوا : لا ، قال : أفتجعلون عليها التغليظ ، ولا تجعلون لها الرخصة ، فوالله لأنزلت النساء القصرى بعد الطولى .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : قال الشعبي : من شاء حالفته لأنزلت النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر والعشر التي في سورة البقرة .

حدثني أحمد بن منيع ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : ذكر عبد الله بن مسعود آخر الأجلين ، فقال : من شاء قاسمته بالله أن هذه الآية التي أنزلت في النساء القصرى نزلت بعد الأربعة الأشهر ، ثم قال : أجل الحامل أن تضع ما في بطنها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : قلت للشعبي : ما أصدق أن عليا رضي الله عنه كان يقول : آخر الأجلين أن لا تتزوج المتوفى عنها زوجها حتى يمضي آخر الأجلين; قال الشعبي : بلى ، وصدق أشد ما صدقت بشيء قط; وقال علي رضي الله عنه : إنما قوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) المطلقات ، ثم قال : إن عليا رضي الله عنه وعبد الله كانا يقولان في الطلاق بحلول أجلها إذا وضعت حملها .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا موسى بن داود ، عن ابن لهيعة ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي بن كعب ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قال : قلت : يا رسول الله ، المتوفى عنها زوجها والمطلقة؟ قال : "نعم" .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، عن ابن عيينة ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، يحدث عن أبي بن كعب ، قال : "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قال : أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها " .

حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : [ ص: 455 ] ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قال : للمرأة الحبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل ، فعدتها أن تضع حملها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها ، ليس المحيض من أمرها في شيء إذا كانت حاملا .

وقال آخرون : ذلك خاص في المطلقات ، وأما المتوفى عنها فإن عدتها آخر الأجلين ، وذلك قول مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما .

وقد ذكرنا الرواية بذلك عنهما فيما مضى قبل .

والصواب من القول في ذلك أنه عام في المطلقات والمتوفى عنهن ، لأن الله جل وعز ، عم بقوله بذلك فقال : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ولم يخصص بذلك الخبر عن مطلقة دون متوفى عنها ، بل عم الخبر به عن جميع أولات الأحمال ، إن ظن ظان أن قوله : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) في سياق الخبر عن أحكام المطلقات دون المتوفى عنهن ، فهو بالخبر عن حكم المطلقة أولى بالخبر عنهن ، وعن المتوفى عنهن ، فإن الأمر بخلاف ما ظن ، وذلك أن ذلك وإن كان في سياق الخبر عن أحكام المطلقات ، فإنه منقطع عن الخبر عن أحكام المطلقات ، بل هو خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الأحمال المطلقات منهن وغير المطلقات ، ولا دلالة على أنه مراد به بعض الحوامل دون بعض من خبر ولا عقل ، فهو على عمومه لما بينا .

وقوله : ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) يقول جل ثناؤه : ومن يخف الله فرهبه ، فاجتنب معاصيه ، وأدى فرائضه ، ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته ، فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسرا ، وهو أن يسهل عليه إن أراد الرخصة لاتباع نفسه إياها الرجعة ما دامت في عدتها ، وإن انقضت عدتها ، ثم دعته نفسه إليها قدر على خطبتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية