صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ( 5 ) )

يقول تعالى ذكره : عسى رب محمد إن طلقكن يا معشر أزواج محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدله منكن أزواجا خيرا منكن .

وقيل : إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرا من الله نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، قال : فنزل كذلك .

حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن حميد ، عن أنس ، عن عمر ، قال : بلغني عن بعض أمهاتنا ، أمهات المؤمنين شدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذاهن إياه ، فاستقريتهن امرأة امرأة ، أعظها وأنهاها عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقول : إن أبيتن أبدله الله خيرا منكن ، حتى أتيت ، حسبت أنه قال على زينب ، فقالت : يا ابن الخطاب ، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ فأمسكت ، فأنزل الله ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قال عمر بن الخطاب : بلغني عن أمهات المؤمنين شيء ، فاستقريتهن أقول : [ ص: 489 ] لتكففن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن ، حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين ، فقالت : يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ فكففت ، فأنزل الله ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات ) . . . الآية .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( أن يبدله ) فقرأ ذلك بعض قراء مكة والمدينة والبصرة بتشديد الدال : "يبدله أزواجا" من التبديل . وقرأه عامة قراء الكوفة : ( يبدله ) بتخفيف الدال من الإبدال .

والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( مسلمات ) يقول : خاضعات لله بالطاعة ( مؤمنات ) يعني مصدقات بالله ورسوله .

وقوله : ( قانتات ) يقول : مطيعات لله .

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله ( قانتات ) قال : مطيعات .

حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( قانتات ) قال : مطيعات .

وقوله : ( تائبات ) يقول : راجعات إلى ما يحبه الله منهن من طاعته عما يكرهه منهن ( عابدات ) يقول : متذللات لله بطاعته .

وقوله : ( سائحات ) يقول : صائمات .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( سائحات ) فقال بعضهم : معنى ذلك : صائمات . [ ص: 490 ]

ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( سائحات ) قال : صائمات .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( سائحات ) قال : صائمات .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : السائحات الصائمات .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( سائحات ) يعني : صائمات .

وقال آخرون : السائحات : المهاجرات .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، قال : السائحات : المهاجرات .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( سائحات ) قال : مهاجرات ، ليس في القرآن ، ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة ، وهي التي قال الله ( السائحون ) .

وقد بينا الصواب من القول في معنى السائحين فيما مضى قبل بشواهده ، مع ذكرنا أقوال المختلفين فيه ، وكرهنا إعادته .

وكان بعض أهل العربية يقول : نرى أن الصائم إنما سمي سائحا ، لأن السائح لا زاد معه ، وإنما يأكل حيث يجد الطعام ، فكأنه أخذ من ذلك .

وقوله : ( ثيبات ) وهن اللواتي قد افترعن وذهبت عذرتهن ( وأبكارا ) وهن اللواتي لم يجامعن ، ولم يفترعن .

التالي السابق


الخدمات العلمية