صفحة جزء
[ ص: 521 ] [ ص: 522 ] [ ص: 523 ] بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى : ( ن والقلم وما يسطرون ( 1 ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( 2 ) وإن لك لأجرا غير ممنون ( 3 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ن ) فقال بعضهم : هو الحوت الذي عليه الأرضون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا ابن أبى عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : أول ما خلق الله من شيء القلم ، فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار الماء ، فخلقت منه السماوات ، ثم خلق النون ، فبسطت الأرض على ظهر النون ، فتحركت الأرض فمادت ، فأثبتت بالجبال ، فإن الجبال لتفخر على الأرض ، قال : وقرأ : ( ن والقلم وما يسطرون ) .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : ثنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، أو مجاهد عن ابن عباس ، بنحوه ، إلا أنه قال : ففتقت منه السماوات .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : أول ما خلق الله القلم ، قال : اكتب ، [ ص: 524 ] قال : ما أكتب؟ قال : اكتب القدر ، قال : فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة ، ثم خلق النون ، ورفع بخار الماء ، ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون ، فاضطرب النون ، فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال ، فإنها لتفخر على الأرض .

حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : "أول ما خلق الله من شيء القلم ، فقال له : اكتب ، فقال : وما أكتب؟ قال : اكتب القدر ، قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة ، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السماوات ، ثم خلق النون فدحيت الأرض على ظهره ، فاضطرب النون ، فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال ، فإنها لتفخر على الأرض" .

حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس نحوه .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، أن إبراهيم بن أبي بكر ، أخبره عن مجاهد ، قال : كان يقال : النون : الحوت الذي تحت الأرض السابعة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : قال معمر ، ثنا الأعمش ، أن ابن عباس قال : إن أول شيء خلق القلم ، ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل ، وزاد فيه : ثم قرأ ابن عباس : ( ن والقلم وما يسطرون ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن ابن عباس ، قال : إن أول شيء خلق ربي القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم خلق النون فوق الماء ، ثم كبس الأرض عليه .

وقال آخرون : ( ن ) حرف من حروف الرحمن .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي ، قال : ثنا علي بن الحسين ، قال : ثنا أبي ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( الر ) و ( حم ) و ( ن ) حروف الرحمن مقطعة .

حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا عباس بن زياد الباهلي ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله : ( الر ) و ( حم ) و ( ن ) قال : اسم مقطع .

وقال آخرون : ( ن ) : الدواة ، والقلم القلم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، قال : ثنا أخي عيسى بن عبد الله ، عن ثابت البناني ، عن ابن عباس قال : إن الله خلق النون وهي الدواة ، وخلق القلم ، فقال : [ ص: 525 ] اكتب ، فقال : ما أكتب؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، من عمل معمول ، بر أو فجور ، أو رزق مقسوم ، حلال أو حرام ، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه ، دخوله في الدنيا ، ومقامه فيها كم ، وخروجه منها كيف; ثم جعل على العباد حفظة ، وللكتاب خزانا ، فالحفظة ينسخون كل يوم عمل ذلك اليوم ، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر ، وانقضى الأجل ، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا ، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا; قال : فقال ابن عباس : ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون : ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن وقتادة ، في قوله : ( ن ) قال : هو الدواة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، عن قتادة ، قال : النون : الدواة .

وقال آخرون : ( ن ) : لوح من نور .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن شبيب المكتب ، قال : ثنا محمد بن زياد الجزري ، عن فرات بن أبي الفرات ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( ن والقلم وما يسطرون ) "لوح من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة " .

وقال آخرون : ( ن ) : قسم أقسم الله به .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( ن والقلم وما يسطرون ) يقسم الله بما شاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( ن والقلم وما يسطرون ) قال : هذا قسم أقسم الله به .

وقال آخرون : هي اسم من أسماء السورة .

وقال آخرون : هي حرف من حروف المعجم; وقد ذكرنا القول فيما جانس ذلك [ ص: 526 ] من حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل السور ، والقول في قوله نظير القول في ذلك .

واختلفت القراء في قراءة : ( ن ) فأظهر النون فيها وفي ( يس ) عامة قراء الكوفة خلا الكسائي ، وعامة قراء البصرة ، لأنها حرف هجاء ، والهجاء مبني على الوقوف عليه وإن اتصل ، وكان الكسائي يدغم النون الآخرة منهما ويخفيها بناء على الاتصال .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان ، بأيتهما قرأ القارئ أصاب ، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر ، فهو أعجب إلى . وأما القلم فهو القلم المعروف ، غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام : القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره ، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة .

حدثني محمد بن صالح الأنماطي ، قال : ثنا عباد بن العوام ، قال : ثنا عبد الواحد بن سليم ، قال : سمعت عطاء ، قال : سألت الوليد بن عبادة بن الصامت : كيف كانت وصية أبيك حين حضره الموت؟ فقال : دعاني فقال : أي بني ، اتق الله ، واعلم أنك لن تتقي الله ، ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده ، والقدر خيره وشره ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن أول ما خلق الله خلق القلم ، فقال له : اكتب ، قال : يا رب وما أكتب؟ قال : اكتب القدر ، قال فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد" .

حدثني محمد بن عبد الله الطوسي ، قال : ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا رباح بن زيد ، عن عمرو بن حبيب ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أول شيء خلق الله القلم ، وأمره فكتب كل شيء" .

حدثنا موسى بن سهل الرملي ، قال : ثنا نعيم بن حماد ، قال : ثنا ابن المبارك بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد قال : قلت لابن عباس : إن ناسا يكذبون بالقدر ، فقال : إنهم يكذبون بكتاب الله ، لآخذن بشعر أحدهم ، فلا يقصن به ، إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا ، فكان أول ما خلق الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، [ ص: 527 ] فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا أبو هاشم ، أنه سمع مجاهدا ، قال : سمعت عبد الله - لا ندري ابن عمر أو ابن عباس قال - : إن أول ما خلق الله القلم ، فجرى القلم بما هو كائن; وإنما يعمل الناس اليوم فيما قد فرغ منه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني معاوية بن صالح; وحدثني عبد الله بن آدم ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح ، عن أيوب بن زياد ، قال : ثني عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال : أخبرني أبي ، قال : قال أبي عبادة بن الصامت : يا بني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة"

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( ن والقلم ) قال : الذي كتب به الذكر .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، أخبره عن إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد ، في قوله : ( ن والقلم ) قال : الذي كتب به الذكر .

وقوله : ( وما يسطرون ) يقول : والذي يخطون ويكتبون . وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم . وقد يحتمل الكلام معنى آخر ، وهو أن يكون معناه : وسطرهم ما يسطرون ، فتكون "ما" بمعنى المصدر . واذا وجه التأويل إلى هذا الوجه ، كان القسم بالكتاب ، كأنه قيل : ن والقلم والكتاب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما يسطرون ) قال : وما يخطون .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وما يسطرون ) يقول : يكتبون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، [ ص: 528 ] قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وما يسطرون ) قال : وما يكتبون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وما يسطرون ) : وما يكتبون ، يقال منه : سطر فلان الكتاب ، فهو يسطر سطرا : إذا كتبه; ومنه قول رؤبة بن العجاج :


إني وأسطار سطرن سطرا



وقوله : ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، مكذبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له : إنك مجنون .

وقوله : ( وإن لك لأجرا غير ممنون ) يقول تعالى ذكره : وإن لك يا محمد لثوابا من الله عظيما على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع ، من قولهم : حبل منين ، إذا كان ضعيفا ، وقد ضعفت منته : إذا ضعفت قوته .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني به محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( غير ممنون ) قال : محسوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية